ملف شهر رمضان

هدي النبي ﷺ في رمضان، وبعض المسائل والأحكام المتعلقة بهذا الشهر الكريم

ومن ‌صحَّ ‌له ‌رمضانُ وسَلِم= صحَّت له سائرُ سَنته
زاد المعاد (١/ ٤٩٢)

حقيقة الصوم المشروع

والصائم هو ‌الذي ‌صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث؛ فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعًا صالحًا، وكذلك أعماله، فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها مَنْ جَالَس حامل المسك، كذلك مَنْ جَالَس الصائم انتفع بمجالسته له، وأَمِن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم.
هذا هو‌‌ الصوم المشروع، لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب.
ففي الحديث الصحيح: "من لم يَدَعْ قول الزُّور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه"، وفي الحديث: "رُبَّ صائمٍ حظُّه من صيامه الجوع والعطش".
فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام، وصوم البطن عن الشراب والطعام، فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده، فكذلك الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته، فتُصيِّره بمنزلة من لم يَصُمْ.

الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: ٥٧ - ٥٨)

الصوم نصف الصبر

ولما كان الصبر حبس النفس عن إجابة داعي الهوى، وكان هذا حقيقة الصوم -فإنه حبس النفس عن إجابة داعي شهوة الطعام والشراب والجماع- فُسِّرَ الصبر في قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) [البقرة: ٤٥] إنه: الصوم، وسمِّي شهر رمضان: شهر الصبر. وقال بعض السلف: "الصوم نصف الصبر". عدة الصابرين (ص: ٢١٢)

الصدقة في رمضان

ونُدِبَ ‌إلى ‌الصَّدقة ‌في شهر رمضان؛ فإذا صام وتصدَّق حصلت له المصلحتان معًا، وهذا أكملُ ما يكونُ من الصَّوم، وهو الذي كان يفعلُه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فإنه كان أجودَ ما يكونُ في رمضان. مفتاح دار السعادة (٢/ ٩٣٩)



دعاء الصائم قبل فطره

ويُذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقول عند فطره: «اللَّهمَّ لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبَّل منَّا، إنَّك أنت السميع العليم». ولا يثبت. وروي عنه أنه كان يقول: «اللَّهمَّ ‌لك ‌صمتُ، وعلى رزقك أفطرتُ». ورُوي عنه أنه كان يقول إذا أفطر: «ذهبَ الظّمأ، وابتلَّتِ العروق، وثبتَ الأجر إن شاء الله». زاد المعاد (٢ / ٦٥ - ٦٦)

مختارات رمضانية
تحميل الكتاب الالكتروني "الملف الرمضاني"

وقفة مع آية

قوله سبحانه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: ١٨٥] فيه فائدتان أو أكثر:

أحدهما: أنه لو قال: "رمضان الذي أنزل فيه القرآن"، لاقتضي اللفظ وقوع الإنزال على جميعِهِ، كما تقدَّم من قول سيبويه، وهذا خلاف المعنى؛ لأن الإنزال كان في ليلة واحدة منه في ساعة منها، فكيف يتناول جميع الشهر؟، فكان ذكر الشهر الذي هو غير عَلَم موافقا للمعنى، كما تقول: "سِرت في شهر كذا"، فلا يكون السير متناولا لجميع الشهر.


وقت فرض الصيام

ولمَّا كان فَطْم النُّفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشقِّ الأمور وأصعبها عليها، أُخِّر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة، لمَّا توطَّنت النُّفوس على التَّوحيد والصَّلاة، وأَلِفتْ أوامرَ القرآن، فنُقِلتْ إليه بالتَّدريج.

وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات، وفُرض أولا على وجه التخيير بينه وبين أن يُطعم عن كل يوم مسكينا، ثم نقل من ذلك التخيير إلى تحتّم الصوم...

فوائد منتقاة في الصوم وأحكامه

فإن شهر رمضان موسم من مواسم الطاعات التي تُضاعف فيها الأجور، وتتهذّب فيها النفوس وتنقطع عن مألوفاتها، ويٌحقق فيه المسلمُ التقوى التي هي شعار الصوم ومقصوده الأعظم، وقد اختصّه الله تعالى بخصائص عظيمة وجمع فيه من الفضائل ما لم يجتمع في غيره. ومن بلّغه الله تعالى هذا الشهر فيجب عليه أن يبادر إلى استغلاله بإكثار الطاعات والتزوّد من الخيرات، ومما يُعين على ذلك معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه، والتفقّه في أحكامه.

وقد جمعت طرفاً من ذلك من كلام الإمام ابن القيم رحمه الله، وآثرت أن تكون هذه الفوائد مختصرة بقدرٍ تحصل معه الفائدة. وأسأل الله عز وجل أن ينفع بها الجميع.

العشر الأواخر

والأفضل في العُشر الأخير من رمضان: ‌لزومُ ‌المسجد ‌فيه، والخلوةُ والاعتكافُ دون التّصدِّي لمخالطة النّاس والاشتغال بهم، حتّى إنّه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلمَ وإقرائهم القرآنَ عند كثيرٍ من العلماء. مدارج السالكين (١/ ١٣٧)

ومنها: أنه سُئل -يعني ابن تيمية- عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟

فقال: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة.

ومنها: أنه سُئِلَ عن ‌ليلة ‌القدر وليلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم أيُّهما أفضلُ؟

فأجاب: بأن ليلة الإسراء أفضلُ في حقِّ النبي صلى الله عليه وسلم وليلةُ القدر أفضلُ بالنسبة إلى الأمّة، فحظ النبي صلى الله عليه وسلم الذي اختصَّ به ليلة المعراج منها أكملُ من حظِّه من ‌ليلة ‌القدر، وحظُّ الأمَّةِ من ‌ليلة ‌القدر أكملُ من حظِّهم من ليلة المعراج وإن كان لهم فيها أعظمُ حظٍّ؛ لكن الفضل والشَّرَف والرتبة العليا إنما حصلتْ فيها لمنْ أُسرِيَ به صلى الله عليه وسلم. بدائع الفوائد  (٣/ ١١٠٣)

وقال ﷺ لأطوع نساء الأمة وأفضلهن وخيرهن: الصديقة بنت الصديق، وقد قالت له: يا رسول الله، إن وافقت ليلة القدر فما أدعو به؟

قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب  العفو، فاعفُ عني"، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وهو سبحانه لمحبته للعفو وللتوبة خلق خلقه على صفات وهيئات وأحوال تقتضي توبتهم إليه واستغفارهم، وعفوه ومغفرته. شفاء العليل (١/ ٣٧٨)

هدي النبي ﷺ في الاعتكاف

كان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتَّى توفَّاه الله عز وجل، وتركه مرَّةً، فقضاه في شوَّالٍ.
واعتكف مرَّةً العشرَ الأوَّل ثمَّ الأوسط ثمَّ العشر الأخير، يلتمس ليلة القدر، ثمَّ تبيَّن له أنَّها في العشر الأخير، فداومَ على اعتكافه حتَّى لحق بربِّه عز وجل.

مقدارها ومن تجب عليه: فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلم، وعلى من يمونه من صغير وكبير، ذكر وأنثى، حر وعبد، صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من أقط، أو صاعا من زبيب. وروي عنه: أو صاعا من دقيق، وروي عنه: نصف صاع من بر.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: وأما ختم الأعمال الصالحة به: فكما خُتم به عمل الصيام بقوله: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) [البقرة: ١٨٥]. مدارج السالكين (٢/ ٣٩٨)