الحقوق المالية الواجبة لله تعالى أربعة

الحقوق المالية الواجبة لله تعالى أربعة أقسام:

أحدها: حقوق المال كالزَّكاة، فهذا يثبتُ في الذمة بعد التَّمكُّن من أدائه، فلو عَجَزَ عنه بعد ذلك لم يسقطْ، ولا يثبتُ في الذِّمة إذا عَجَزَ عنه وقتَ الوجوب، وأُلْحِق بهذا زكاة الفطر.

القسم الثاني: ما يجبُ بسبب الكفَّارة، ككفارة الأيْمان والظِّهار والوِطء في رمضان وكفارة القتل، فإذا عَجَزَ عنها وقتَ انعقاد أسبابها، ففي ثُبوتها في ذمَّته إلى الميسرَةِ أو سقوطها قولان مشهوران في مذهب الشَّافعي وأحمد.

القسم الثالث: ما فيه معنى ضمان المتْلَف، كجزاء الصيدْ، وألحقَ به فدية الحَلْق والطيب واللِّباس في الإحرام، فإذا عَجَز عنه وقتَ وجوبه ثبتَ في ذِمَّته تغليبًا لمعنى الغرامة وجزاء المتلف، وهذا في الصيد ظاهرٌ، وأما في الطِّيب وبابه فليس كذلك؛ لأنه تَرَفُّهٌ لا إتلافٌ، إذ الشَّعَر والظُّفُرُ ليسا بمتلَفَيْن، ولم تجب الفديةُ في إزالتهما في مقابلة الإتلاف؛ لأنَّها لو وجبتْ لكونها إتلافًا لتقيّدت بالقيمة، ولا قيمةَ لهما وإنما هي من باب التَّرفُّهِ المحض كتغطية الرأس واللُّبس، فأي إتلاف هاهنا؟! وعلى هذا فالرَّاجح من الأقوال أن الفدية في ذلك لا تجبُ مع النسيان والجهل.

القسم الرابع: دم النُّسُك كالمتعة والقران، فهذه إذا عَجَز عنها وجبَ عليه بدلُها من الصيام، فإن عَجَزَ عنها ترتَّبَ في ذمَّته أحدُهُما، فمتى قَدَرَ عليه لَزِمَه، وهل الاعتبارُ بحال الوجوب أو بأغلظ الأحوال؟ فيه خلاف.

وأمَّا حقوق الآدميين؛ فإنَّه لا تسقطُ بالعجْز عنها، لكن إن كان عجزُه بتفريط منه في أدائها طُولبَ بها في الآخرة، وأُخِذَ لصاحبها من حسناته.

وإن كان عَجْزهُ بغير تفريط كمن احترق ماله، أو غرق، أو كان الإتلاف خطأ مع عجزه عن ضمانِهِ، ففي إشغال ذمَّتِهِ به وأخذ أصحابها من حسناته نظرٌ، ولم أقفْ على كلام شافٍ للنَّاس في ذلك، والله أعلم.


بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (4/ 1348 - 1349)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله