بِناء كتاب زاد المعاد ‌‌وموضوعاته

الكتاب في صورته الحالية يحتوي على الأقسام الآتية:

  1. مقدمة المؤلف (1/ 5 - 52).
  2. فصول في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهديه في لباسه وأكله وشربه ومعاشرته للأزواج، ونومه وانتباهه وجلوسه وركوبه ومشيه، وبيعه وشرائه ومعاملاته، وقضاء الحاجة، الفطرة وتوابعها، وكلامه وسكوته وخطبه (1/ 53 - 207).
  3. هديه صلى الله عليه وسلم في العبادات (1/ 208 - 683) ثم (2/ 5 - 550).
  4. هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد والمغازي والسرايا والبعوث ومكاتبته إلى الملوك وغيرهم (3/ 5 - 881).
  5. هديه صلى الله عليه وسلم في الطب (4/ 5 - 616).
  6. هديه صلى الله عليه وسلم في أقضيته وأحكامه (5/ 5 - 592) و (6/ 5 - 531).

ولكن هل جاء الكتاب كما قدَّر المؤلف عندما شرع فيه؟ هذا ما يحتاج إلى بعض النظر والتأمّل، فنقول:

ختم المؤلف مقدمته بقوله: «وهذه كلمات يسيرة، لا يستغني عن معرفتها من له أدنى همة إلى معرفة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيرته وهديه، اقتضاها الخاطر المكدود على عُجَره وبُجَره، مع البضاعة المزجاة التي لا تفتح لها أبواب السدد، ولا يتنافس فيها المتنافسون، مع تعليقها في حال سفر لا إقامة، والقلب بكل واد منه شعبة، والهمة قد تفرقت شذر مذر. والكتاب مفقود، ومن يفتح بابَ العلم مذاكرتُه غير موجود … ».

قوله: «كلمات يسيرة» صريح الدلالة على أن المؤلف رحمه الله كان ينوي وضع كتاب مختصر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، ولا سيما لكونه في حال السفر وتشتت البال والبعد عن الكتب. فيبدو أنه لما كتب الفصول الأولى في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه لم يكن بين يديه إلا كتب معدودة أهمها «المختصر الكبير في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم» لعز الدين ابن جماعة، و «القرمانية» لشيخ الإسلام وهي قاعدة تتضمن ذكر ملابس النبي صلى الله عليه وسلم وسلاحه ودوابه. أما فصل قص الشارب (1/ 191) الذي اعتمد فيه على كتاب «التمهيد» لابن عبد البر، فقد أضافه فيما بعد. وهكذا زاد في (1/ 67) فقرة من «التمهيد» تتعلق بختان النبي صلى الله عليه وسلم. ومثله ما يتعلق بزواج أم سلمة (1/ 95 - 98) وزيادات أخرى نبهنا عليها في تعليقاتنا.

ولكن يظهر أن المؤلف لما استقر به النوى، وحصلت له الكتب أبى ذهنه الوقَّاد وعلمه الغزير وقلمه السيَّال إلا أن يتوسع ويتبسَّط على منهجه المعروف، فينقل المذاهب، ويناقش الأدلة، ويرجح الأقوال، ويتكلم على الأحاديث والآثار؛ فاختلف بناء الكتاب، وابتعد ابتعادًا كليًّا عن خطته الأولى. فبينما كانت النية أن يكون كتابًا مختصرًا إذ امتدّ واستطال حتى بلغ «أربعة أسفار» كما ذكر الصفدي وغيره في ترجمته، وإذا كان المأمول أن يقتصر فيه على ما صح وثبت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم من غير تعرض لاختلاف الفقهاء ومحاكمة الأقوال، أصبح بعض أبوابه كأنها من كتاب مطوَّل في الفقه المقارن.

ومن أوضح الأدلة على تغيُّر خطة الكتاب: قِسْم الطب النبوي. قال المؤلف رحمه الله في بعض فصول القسم الأول: «وأصول الطب ثلاثة: الحمية، وحفظ الصحة، واستفراغ المادة المضرة. وقد جمعها الله تعالى له ولأمته في ثلاثة مواضع من كتابه … وهذه الثلاثة هي قواعد الطب وأصوله … وهو الرؤوف الرحيم» (1/ 169 - 170). وقد أعاد هذا الكلام كله مع الآيات التي استدل بها في قسم الطب النبوي في المجلد الرابع، فلو كان في نيته عند ابتداء التأليف أن يخصص فصولا كثيرة تصلح أن تكون كتابًا مفردًا في الطب النبوي (وقد أُفرِد بالفعل فيما بعد بعنوان «الطب النبوي»، وبين أيدينا نسخة منه مكتوبة سنة 788 أي بعد وفاة المؤلف بسبع وثلاثين سنة) لأشار إلى ذلك في هذا الموضع. هذه واحدة. والأمر الآخر أن ما يمكن أن يسمى الطب النبوي في الحقيقة ــ وكان خليقًا بأن يلحق بهدي النبي صلى الله عليه وسلم حسب الخطة الأولى ــ لا يتجاوز ربع ما أورده في قسم الطب النبوي.

وقد ذكر ابن رجب في ترجمة المؤلف كتابًا آخر له بعنوان «زاد المسافرين إلى منازل السعداء في هدي خاتم الأنبياء»، ذكره قبل «زاد المعاد في هدي خير العباد» متصلًا به. ولا فرق بين العنوانين في المضمون كما ترى، فكلاهما في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهما مختلفان في الحجم، فقد صرح ابن رجب بأن زاد المسافرين في مجلد واحد، وزاد المعاد في أربع مجلدات. فهل المؤلف نفسه أدرك بعد ما استطال الكتاب أنه استدبر من أمره غير ما استقبل، فاختصره في مجلد واحد؛ أو هي المسودة الأولى قبل أن تنضم إليها أبواب المغازي والطب والأقضية؟ لعل الثاني أقرب. وقد ذكر السخاوي هذا المختصر في «الجواهر والدرر» (ص 1254)، فقال: «ولابن القيم كتاب الهدي النبوي لا نظير له، وآخر أخصر منه».

وكأن الفيروزابادي صاحب «القاموس» لاحظ أيضًا ما قصده المؤلف في البداية وما صار إليه الكتاب من الطول والتوسع فيما بعد، فصنع كتابًا مختصرًا سماه «سفر السعادة»، وجلّه مأخوذ من كتابنا هذا وإن لم يشر إليه!

بالإضافة إلى تغير الخطة، يظهر أن الكتاب دُوِّنت أقسامه المختلفة في أزمنة متفاوتة، ثم أضيفت إليه فصول وفقرات في أوقات مختلفة أيضًا، فأدّى ذلك كله إلى تكرار كثير واختلاف في بعض الأحيان. ومن أمثلة التكرار أنه عقد في المجلد الثاني (416 - 417) فصلًا في تفسير نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تسمية العنب كرمًا، ثم تكلم عليه في المجلد الرابع (546 - 547) ولم يشر إلى البحث السابق، فكأنه نسي أنه فسَّره من قبل. وقد اقترح أحد المراجعين لنشرتنا هذه لما رأى كثرة التكرار أن يُفرَد في آخر الكتاب فهرسٌ للمسائل المتكررة.

ومن أمثلة الاختلاف: قوله في هديه صلى الله عليه وسلم في الركوب (1/ 161): إن المعروف أنه كان عنده بغلة واحدة، مع أنه قد ذكر قبل قليل في فصل الدواب (1/ 130) أربع بغال. وسبب ذلك أنه كان في هذا الفصل صادرًا عن كتاب «المختصر الكبير» لابن جماعة، وفي سياق هديه صلى الله عليه وسلم في الركوب اعتمد على كلام شيخه شيخ الإسلام.

ولعل طول الكتاب وتفاوت وقت العمل فيه وتبييضه جعل المؤلف يَعِد بكتابة بعض الفصول والمباحث التي لم يتمكن من الوفاء بها، كما أشار في موضع إلى إفراد الخصائص النبوية (1/ 360، 383)، وفي موضع إلى أحكام السَّلَم (6/ 498)، وإلى الأطعمة والأشربة (6/ 422) والعِينة (6/ 468). وانتهى الكتاب في أثناء الكلام على البيوع دون استيفائها.

ونشير في السطور الآتية إلى ترتيب الموضوعات في الأقسام المذكورة من الكتاب مع بعض الملحوظات.

* أما مقدمة الكتاب (1/ 5 - 52) فبيّن المؤلف فيها اضطرار العباد إلى معرفة الرسول وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر؛ فإن سعادة الدارين معلقة باتباعه، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهته، وبمتابعته يتميز أهل الهدى من أهل الضلال. فوجب على كل مسلم أن يعرف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته ما يُدخِله في عداد أتباعه وشيعته وحزبه. وقد استشهد على ذلك بآيات وأحاديث، واستطرد في الكلام عليها إلى مباحث أخرى.

* ترتيب الفصول في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في لباسه … إلخ (1/ 53 - 207)

استهلَّها المؤلف بفصل في نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد ما ذكر أن عدنان من ولد إسماعيل استطرد إلى إثبات أن إسماعيل هو الذبيح لا إسحاق عليهما السلام. ثم في هذا الفصل نفسه ذكر مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ووفاة أبيه وأمه، وكفالة جده عبد المطلب ثم أبي طالب له، وسفره مع عمه إلى الشام، وزواجه من خديجة بعد عودته من رحلته التجارية إلى الشام، وتعبده في غار حراء، وبعثته ومراتب الوحي.

ثم عقد فصلًا في ختان النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد فصلين في مرضعاته وحواضنه، رجع مرة أخرى إلى مبعثه وأول ما نزل عليه وبيان ترتيب الدعوة ومراتبها.

ثم عقد فصلين في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وشرح معانيها، وفصلًا اشتمل على ذكر الهجرة إلى الحبشة، وبيعة العقبة، والهجرة إلى المدينة، وبناء المسجد النبوي.

ثم تتابعت الفصول على هذا النسق: أولاده، أعمامه وعماته، أزواجه، سراريه، مواليه، خدامه، كتّابه، كُتبه إلى أهل الإسلام بالشرائع، كتبه ورسله إلى الملوك، مؤذّنوه، أمراؤه، حرسه، من كان يضرب الأعناق بين يديه، من كان على نفقاته وخاتمه وما إلى ذلك، شعراؤه وخطباؤه، حُداته، غزواته وبعوثه، وسراياه، سلاحه وأثاثه، دوابه، ملابسه.

وقد تابع المصنفُ في هذا الترتيب مصدره وهو كتاب ابن جماعة، غير أنَّ ذِكْر الخدّام فيه قبل ذِكر الموالي، وذِكر الغزوات بعد فصل الهجرة، وذِكر الملابس قبل الدواب. ولم يذكر ابن جماعة كتب النبي صلى الله عليه وسلم. ومن جهة أخرى أغفل المصنف مما ذكره ابن جماعة صفة النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته ووفاته.

ولعله أخَّر ذكر الملابس ليصل كلام ابن جماعة فيه بكلام شيخ الإسلام في «القرمانية»، ويتخلص منه إلى ذكر هدي النبي صلى الله عليه وسلم في سائر شؤون حياته. وذلك أن شيخ الإسلام لما ذكر هديه صلى الله عليه وسلم في اللباس أنه كان يلبس ما تيسَّر من اللباس من قطن أو صوف أو غيرهما قال: و «كذلك كانت سيرته في الطعام: لا يردُّ موجودًا ولا يتكلَّف مفقودًا … ويأكل لحم الدجاج وغيره» (جامع المسائل 7/ 144). فأخذ المؤلف رحمه الله هذه الفقرة، واستهل بها فصلًا جديدًا بعد فصل ملابسه صلى الله عليه وسلم لتفصيل هديه في الأكل والشرب. ثم تتابعت الفصول في هديه صلى الله عليه وسلم في النكاح ومعاشرة أهله، وغير ذلك كما سبق تفصيله.

* ترتيب قسم العبادات

رتب المؤلف رحمه الله هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات على الأبواب الآتية: الطهارة، الصلاة، الصدقة والزكاة، الصوم، الحج والعمرة. وختمه بفصول في هديه صلى الله عليه وسلم في الذِّكْر.

في باب الطهارة ذكر رحمه الله هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء، والمسح على الخفين، والتيمم. وفاته ذكر هديه في الغسل وإزالة النجاسة.

وفي باب الصلاة ذكر أولًا صفة صلاته صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها، وقفى عليه بهديه في سجود السهو، والأذكار بعد الصلاة، والسُّتْرة. ثم ذكر هديه في السنن الرواتب، وقيام الليل والوتر، وصلاة الضحى، وسجود الشكر، وسجود القرآن، والجمعة، والعيدين، وصلاة الكسوف، والاستسقاء، وصلاته في السفر، وقراءة القرآن. وختمه بفصول في هديه في الجنائز وما يتعلق بها من النهي عن تعلية القبور وزيارتها والتعزية.

ومن المباحث التي أفاض القول فيها: وضع الركبتين قبل اليدين عند السجود، والقنوت في الفجر، وخصائص يوم الجمعة فذكر ثلاثًا وثلاثين خاصة (1/ 460 - 530)، وتعيين ساعة الإجابة في يوم الجمعة.

أما باب الصدقة والزكاة فقد ذكر فيه أولًا حكمة تشريع الزكاة، وهديه صلى الله عليه وسلم في تفريق الزكاة وإعطائها لمن هو أهل لها، ونهي المتصدِّق أن يشتري صدقته. وخصَّص فصلًا للكلام على زكاة العسل، وبيَّن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر، وصدقة التطوع. وبمناسبة كون الصدقة من أعظم أسباب شرح الصدر خصَّص فصلًا لذكر هذه الأسباب وحصولها على الكمال له صلى الله عليه وسلم (2/ 28 - 33).

وفي باب الصيام ذكر أولًا تاريخ فرض الصوم، ثم هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، وعدم الدخول في صوم رمضان إلا برؤية محققة أو شهادة، وفصَّل الكلام على صوم يوم الغيم، وبيَّن هديه صلى الله عليه وسلم في الإفطار، وحكم الصوم في السفر، وهديه في الصوم جنبًا، والأشياء التي يفطر بها الصائم، وصيام التطوع. وأفرد بحثًا في صيام يوم عاشوراء وإفطار يوم عرفة بعرفة، وهديه صلى الله عليه وسلم في صوم يوم السبت والأحد وكراهة تخصيص يوم الجمعة بالصوم. وختم هذا الباب بذكر هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف.

أما باب الحج والعمرة فهو باب طويل ذكر فيه أولًا عدد عُمَر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ساق هديه صلى الله عليه وسلم في حجته منذ أن خرج من المدينة إلى أن رجع إليها، وتكلم في أثنائها على أحكام جزئية كثيرة للحج، وبيَّن أوهام الذين غلِطوا في ذكر عُمَر النبي صلى الله عليه وسلم وصفة حجته وإهلاله، وردَّ على ما احتجُّوا به. وقد خصَّص فصلًا طويلًا للكلام على فسخ الحج إلى العمرة (2/ 219 - 272).

ثم عقد بابًا في هديه صلى الله عليه وسلم في الهدايا والضحايا والعقيقة، وختمه بذكر المناهي اللفظية. وعقّبه بفصلٍ في هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر، جمع فيه أذكار النبي صلى الله عليه وسلم في مناسبات مختلفة، وبه ختم قسم العبادات من الكتاب.

* ترتيب قسم المغازي

بدأه المؤلف بذكر مكانة الجهاد في الإسلام وأنه أنواع عديدة: بالحجة والبيان وبالسيف والسنان، وأن العدو الخارجي لا يمكن جهاده حتى يجاهد نفسه وشهواتها، ويجاهد الشيطان ووساوسه.

ثم ذكر ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد من أول مبعثه، وذلك بالقرآن كما قال تعالى: {الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا} [الفرقان: 52]، فآذاه قومه وآذوا أتباعه إلى أن اضطروا إلى الهجرة إلى الحبشة، وأذن الله لنبيه بالهجرة إلى المدينة، ثم فُرض عليه القتال.

ثم ساق الأحاديث في فضل الجهاد والترغيب فيه وفي فضل الشهادة في سبيل الله.

ثم ذكر مجمل هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد والغزو، وهديه في تقسيم الغنائم والنفل، والتشديد في الغلول، وهديه في الأسارى والسبي والجواسيس وعبيد المشركين والأرض المغنومة وما إلى ذلك.

ثم عقد فصلًا في هديه في الأمان والصلح ومعاملة رسل الكفار، وأخذ الجزية وما إليه، فذكر فيه قبائل اليهود بالمدينة وغدرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم واحدة تلو الأخرى، وقتال النبي صلى الله عليه وسلم إياهم وإجلاءهم (وهذه الغزوات الثلاث مع اليهود ذكرها بالتفصيل هنا ثم أعادها مختصرة في موضعها من المغازي)، وذكر أيضًا صلحه مع قريش ومع أهل خيبر.

ثم عقد فصلًا في «سياق مغازيه وبعوثه على وجه الاختصار»، وهو قِوام هذا الجزء وأكبر فصوله. فإنه يمثّل نحوًا من ثُلُثيه؛ ذكر فيه الغزوات على ترتيبها الزمني ويعقب أكثرها بذكر ما يستفاد من قصتها من فوائد وأحكام، وما فيها من الحكم الإلهية.

ثم عقد فصلًا في قدوم وفود العرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد مجيئه من تبوك، ويذكر ما في قصصهم من الفقه. وختم بفصل في كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء.

وبه ينتهي هذا القسم، مع أنه بقي عليه مما في «عيون الأثر» ــ وهو مصدر المؤلف في كثير مما يذكره لا سيما في النصف الأخير ــ: سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن، وحجة الوداع، وسرية أسامة بن زيد إلى الشام (التي توفي عنها النبي صلى الله عليه وسلم). فهذه الأحداث الثلاثة ذكرها ابن سيد الناس بعد ذكر كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك، وقد سبق ذكر حجة الوداع في قسم العبادات عند المؤلف، إلّا أنه لم يُشر إلى السريتين.

* ترتيب قسم الطب

بدأه المؤلف رحمه الله بمقدمة ذكر فيه أولًا أن المرض نوعان: مرض القلوب ومرض الأبدان، وكلاهما مذكور في القرآن. وقد أرشد سبحانه إلى أصول الطب ومجامع قواعده، وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك أكمل هدي. ثم بيَّن أن من هديه صلى الله عليه وسلم التداوي في نفسه والأمر به لمن مرض من أهله وأصحابه، وتكلم على قوله: «ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء» ودلالة هذا الحديث وغيره على ربط المسببات بالأسباب والأمر بالتداوي وأنه لا يناقض التوكل. ثم ذكر أن علاجه صلى الله عليه وسلم للمرض ثلاثة أنواع: أحدها: بالأدوية الطبيعية، والثاني: بالأدوية الإلهية، والثالث: بالمركب من الأمرين.

وعلى ذلك جاءت الفصول بعد المقدمة على ثلاثة أقسام:

1 - في العلاج بالأدوية الطبيعية.

2 - في العلاج بالأدوية الروحانية الإلهية المفردة، والمركبة منها ومن الأدوية الطبيعية.

3 - في ذكر الأدوية والأغذية المفردة التي جاءت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم مرتبة على حروف المعجم.

وختم هذا القسم بفصول في المحاذير والوصايا الكلية النافعة من وصايا الأطباء.

* ترتيب قسم الأقضية والأحكام

بدأ المجلد الخامس بفصول في هديه صلى الله عليه وسلم في الأقضية والأحكام، وبيَّن في أوله (5/ 5) أن ليس الغرض ذِكْر التشريع العام، وإنما الغرض ذكر هديه في الحكومات الجزئية التي فصَل فيها بين الخصوم، وكيف كان هديه في الحكم بين الناس. وتعرض فيه إلى قضايا الحدود المختلفة كالزنا والسرقة واللواط وقتل الساحر والجاسوس وغيرها (5/ 5 - 100)، ثم ذكر بعض أحكامه في الفتوح والمغازي وقسمة الغنائم والأموال على اختلافها وبعض مسائل الجهاد وأحكام المغازي والسير (5/ 101 - 136) وهذه الأحكام سبقت بالتفصيل في المجلد الثالث الخاص بالمغازي والسير، وهو كثير الإحالة إليه في هذا القسم.

ثم تطرق إلى أحكام النكاح وأقضيته وتوابعه (5/ 137 - 165) ثم عقد مبحثًا طويلًا في المحرّمات من النساء (5/ 166 - 177)، ثم أخذ في مسائل تتعلق بالوطء والتعددّ والقَسْم وأحكام الزوجية (5/ 178 - 269).

ثم انفصل إلى أحكام الخلع والطلاق، وتوسّع في الطلاق البدعي والطلاق الثلاث بكلمة واحدة (5/ 270 - 405)، ثم إلى مسائل تتعلق بالفراق والظهار والإيلاء واللعان واستلحاق الولد (5/ 406 - 592).

وفي المجلد السادس ذَكَر المؤلف حكمه صلى الله عليه وسلم في الولد مَن أحقُّ به في الحضانة، وتوسع في الكلام على مسألة تخيير الولد بين الأبوين في الحضانة. ثم ذكر حكمه صلى الله عليه وسلم في النفقة على الزوجات، وتوسَّع هنا في بيان أنه لا نفقة للمبتوتة ولا سُكْنى كما في حديث فاطمة بنت قيس، وأطال في ذكر المطاعن التي طُعِن بها هذا الحديث ثم ردَّ عليها وبيَّن بطلانها. وبعد الانتهاء منها عقد فصلًا في وجوب نفقة الأقارب، ثم فصلًا طويلًا في حكمه صلى الله عليه وسلم في الرضاعة وما يحرم بها وما لا يحرم، وحكمه في القدر المحرِّم منها، وحكمه في رضاع الكبير هل له تأثير أم لا؟ ثم ذكر حكمه صلى الله عليه وسلم في العِدد، وفصَّل الكلام على تفسير «القروء» هل هي الحيض أو الأطهار، مع ذكر أدلّة الفريقين ومناقشتها وترجيح أنها الحيض. وفي هذا الباب فصول في عدة الأمَة، وعِدة الآيسة والتي لم تحِضْ، وعِدة الوفاة، وعِدة الطلاق، وعِدة المختلعة، واعتداد المتوفى عنها في منزلها الذي توفي فيه زوجها، وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحداد المعتدَّة، والخصال التي تجتنبها الحادَّة، وختم هذا الباب بذكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستبراء في فصل طويل (6/ 371 - 418).

وآخر أبواب الكتاب: ذكر أحكامه صلى الله عليه وسلم في البيوع، بدأه بذكر ما يحرم بيعه مثل الميتة والخنزير والأصنام، ثم حكمه صلى الله عليه وسلم في ثمن الكلب والسنَّور ومهر البغيّ وحلوان الكاهن وأجرة الحجّام، ثم حكمه صلى الله عليه وسلم في بيع عَسْب الفحل وضِرابه، والمنع من بيع الماء الذي يشترك فيه الناس، ومنع الرجل من بيع ما ليس عنده.

وختم هذا القسم بفصل في بيع الغرر، ومن صوره بيع اللبن في الضرع، وتكلم في آخره على بيع الصوف على الظهر وذكر الفرق بينه وبين اللبن في الضرع، فقال: «اللبن في الضرع يختلط ملك المشتري فيه بملك البائع سريعًا، فإن اللبن سريع الحدوث كلما حلبه درَّ، بخلاف الصوف. والله أعلم وأحكم».

وبهذا الفصل ينتهي الكتاب دون خاتمة واضحة، ويُخيَّل إلى القارئ أن شيئًا سقط من آخره، وأن النسخ التي وصلت إلينا قد تكون غير تامة. والواقع أن النسخ التي بين أيدينا تختلف فيما بينها أحيانًا، ولكنها متفقة على نهايتها، وقد قوبلت بعضها على نسخة مقروءة على المؤلف كما سبق، فلا ندري لماذا لم يختم المؤلف رحمه الله كتابه بكلمة مناسبة تؤذن بانتهائه.


زاد المعاد ط عطاءات العلم (المقدمة ص: 13 - 25)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله