وكان ركوعه المعتاد مقدار عشر تسبيحات، وسجوده كذلك. وأما حديث البراء بن عازب: «رمَقتُ الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فكان قيامه، فركوعه، فاعتداله، فسجدته، فجلسته ما بين السجدتين= قريبًا من السَّواء»، فهذا قد فهم منه بعضُهم أنه كان يركع بقدر قيامه، ويسجد بقدره، ويعتدل كذلك.
وفي هذا الفهم شيء، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح بالمائة آية ونحوها، وقد تقدَّم أنه قرأ في المغرب بـ (الأعراف) و (الطور) و (المرسلات)، ومعلوم أن ركوعه وسجوده لم يكن بقدر هذه القراءة. ويدل عليه حديث أنس الذي رواه أهل «السنن» أنه قال: ما صلَّيتُ وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبهَ صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى. يعني: عمر بن عبد العزيز. قال: فحزَرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات. هذا مع قول أنس: إنه كان يؤمُّهم بـ (الصافات). فمراد البراء ــ والله أعلم ــ أن صلاته صلى الله عليه وسلم كانت معتدلةً، فكان إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود، وإذا خفَّف القيام خفَّف الركوع والسجود. وتارةً يجعل الركوع والسجود بقدر القيام، ولكن كان يفعل ذلك أحيانًا في صلاة الليل وحده، وفعَله أيضًا قريبًا من ذلك في صلاة الكسوف. وهديهُ الغالب صلى الله عليه وسلم تعديل الصلاة وتناسبها.
زاد المعاد ط عطاءات العلم (1/ 245)