الباب الثالث والستون: في ذكر مُلكِ الجنَّة وأنَّ أهلها كلهم ملوك فيها
قال اللَّهُ تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا) [الإنسان: 20].
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: (وَمُلْكًا كَبِيرًا) قال: "عظيمًا". وقال: "استئذان الملائكة عليهم لا تدخل عليهم الملائكة إلَّا بإذن".
وقال كعب في قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا) قال: "يُرسِلُ إليهم ربُّهم الملائكة، فتأتي الملائكة فتستأذن عليهم".
وقال بعضهم: الخدم، ولا تدخل الملائكة عليهم إلَّا بإذن.
وقال الحكم بن أبان: عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما "أنَّه ذكر مراكب أهل الجنَّة ثمَّ تلا: (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا).
وقال ابن أبي الحواري: سمعتُ أبا سليمان يقول في قول اللَّه عز وجل: (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا) قال: "الملك الكبير: أنَّ رسول ربِّ العِزَّة يأتيه بالتحفة واللطف ، فلا يصل إليه حتَّى يستأذن عليه فيقول للحاجب: استأذن على وليِّ اللَّهِ، فإنِّي لستُ أصلُ إليه، فَيُعْلِمُ ذلك الحاجب حاجبًا آخر، وحاجبًا بعد حاجب، ومن داره إلى دار السلام باب يدخل منه على ربِّه إذا شاءَ بلا إذنٍ، فالملك الكبير: أنَّ رسول ربِّ العزَّة لا يدخل عليه إلَّا بإذن، وهو يدخل على ربِّه بلا إذنٍ" .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا صالح بن مالك، حدثنا صالح المري، حدثنا يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه يرفعه: "إنَّ أسفَلَ أهلِ الجنَّة أجمعين درجةً مَنْ يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم" .
حدثني محمد بن عباد بن موسى، أنبأنا زيد بن الحُبَاب، عن أبي هلال الراسبي، أخبرنا الحجاج بن عتاب العبدي، عن عبد اللَّه بن معبد الزمَّاني، عن أبي هريرة قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة وليس فيهم دني، من يغدو عليه كل يوم ويروح خمسة عشر ألف خادم، ليس منهم خادم إلا ومعه طرفة ليست مع صاحبه" .
حدثني محمد بن عباد، حدثنا زيد بن الحباب، عن أبي هلال، حدثنا حميد بن هلال قال: "ما من رجل من أهل الجنة إلا وله ألف خازن، ليس منهم خازن إلا على عمل ليس عليه صاحبه" .
حدثني هارون بن سفيان، أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا المُفَضَّل ابن فضالة، عن زهرة بن معبد، عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: "إن العبد أول ما يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم كأنهم اللؤلؤ" .
حدثني هارون بن سفيان، حدثنا محمد بن عمر، أخبرنا محمد بن هلال عن أبيه، عن أبي هريرة قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة - وما فيهم دني - لَمَن يغدو عليه عشرة آلاف خادم، مع كل خادم طرفة ليست مع صاحبه" .
وقال عبد اللَّه بن المبارك: حدثنا يحيى بن أيوب، حدثني عبيد اللَّه ابن زَحَر، عن محمد بن أبي أيوب المخزومي، عن أبي عبد الرحمن المعافري قال: "إنه لَيُصَفُّ للرجل من أهل الجنة سِمَاطان لا يرى طرفاهما من غلمانه، حتى إذا مرَّ مَشَوْا وراءه" .
وقال أبو خيثمة: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم، واثنتان وسبعون زوجة، وينصب له قبة من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، كما بين الجابية وصنعاء" .
وقال عبد اللَّه بن المبارك: أخبرنا بقية بن الوليد، حدثني أرطاة بن المنذر قال: سمعت رجلًا -من مشيخة الجَنَد - يقال له: أبو الحجاج قال: جلست إلى أبي أمامة فقال: إن المؤمن يكون متكئًا على أريكته إذا دخل الجنة، وعنده سماطان من الخدم، وعند طرف السماطين باب مُبَوَّب فيقبل الملك من ملائكة اللَّه عز وجل ليستأذن، فيقوم أدنى الخدم إلى الباب، فإذا هو بالملك يستأذن، فيقول للذي يليه هذا ملك يستأذن، ويقول للذي يليه: ملك يستأذن، حتى يبلغ المؤمن فيقول: ائذنوا له، فيقول أقربهم إلى المؤمن: ائذنوا له، ويقول الذي يليه للذي يليه: ائذنوا له كذلك، حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب، فيفتح له، فيدخل فيسلم ثم ينصرف" .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن الحسن، حدثنا قَبِيصة حدثنا سليمان العنبري، عن الضحاك بن مزاحم قال: بينا ولي اللَّه في منزله إذ أتاه رسول من اللَّه عز وجل فقال للآذن: استاذن لرسول اللَّه على ولي اللَّه، فيدخل الآذن فيقول: يا ولي اللَّه، هذا رسول اللَّه يستأذن عليك، قال: ائذن له فيأذن له فيدخل على ولي اللَّه، فيضع ما بين يديه تحفة، فيقول: يا ولي اللَّه: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تأكل من هذه، قال: فُيشبِّهُهُ بطعام أكله أيضًا، فيقول: إنما أكلت هذا الآن، فيقول: إن ربك يأمرك أن تأكل منها، فيأكل منها فيجد منها طعم كل ثمرة في الجنة، قال: فذلك قوله عز وجل: (وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا) [البقرة: 25] " .
وفي "صحيح مسلم" من حديث المغيرة بن شعبة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "سأل موسى ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو الرجل يجيء بعدما أُدخِل أهل الجنةِ الجنةَ، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي ربِّ، كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟! فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مَلِك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت ربي، فيقول له: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فقال في الخامسة: رضيت رب، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذَّت عينك، فيقول: "رضيت رب" وذكر الحديث، وقد تقدم ذكره بتمامه .
وقال البزار في "مسنده": حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا المغيرة ابن سلمة، حدثنا وهيب عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: "خلق اللَّه تبارك وتعالى الجنة: لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وغرسها بيده، وقال لها: تكلمي، فقالت: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون: 1] فدخلها الملائكة، فقال: طوبى لك منزل الملوك" .
هكذا رواه وهيب عن الجريري موقوفًا، ورواه عدي بن الفضل، عن الجريري فرفعه، قال البزار: "ولا نعلم أحدًا رفعه إلا عدي بن الفضل بهذا الإسناد، وعدي بن الفضل ليس بالحافظ، وهو شيخ بصري".
قلت: عدي بن الفضل هذا تفرد به ابن ماجه، وقد ضعفه يحيى بن معين، وأبو حاتم. والحديث: صحيح موقوف. واللَّه أعلم.
وقد تقدم ذكر التيجان على رؤوسهم ، وإنما يلبسها الملوك.
حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (1/ 586 - 592)