وصية الإمام ابن القيم لنفسه ولسائر إخوانه المسلمين

٢٥٦ - واحذَرْ كَمائنَ نفسِكَ اللَّاتي مَتَى ... خرجتْ عَليكَ كُسِرتَ كَسرَ مُهانِ 
٢٥٧ - وإذا انتصرتَ لها تكونُ كَمنْ بَغَى ... طَفْيَ الدُّخانِ بمُوقَدِ النِّيرانِ 
٢٥٨ - واللهُ أخْبرَ وَهْوَ أصدقُ قَائِلٍ ... أنْ ليسَ يَنصرُ عَبْدَهُ بأمَاني
٢٥٩ - مَن يعملِ السُوأى سُيجزَى مِثلَها ... أو يعملِ الحُسنى يَفُزْ بجِنَانِ 
٢٦٠ - هَذِي وَصِيّةُ نَاصِحٍ ولِنفْسِهِ ... وَصَّى وبعدُ لِسائرِ الإِخْوَانِ


٢٥٦ - يعني: خفاياها وغرائزها وشهواتها المحرمة، كالعجب والكبر وحب الظهور والشهوة والرياء وحب الدنيا وغير ذلك. وهذه متى غلبت على الإنسان فقد الإخلاص والالتجاء إلى الله تعالى والعمل من أجل نصرة دين الله، فيصبح يجادل ولقاتل من أجل هواه. وهنا لا ينصره الله لأن الله تعالى قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: ٤٠] وهو هنا لم ينصر الله وإنّما نصر نفسه. 
٢٥٧ - طفي: بتسهيل الهمزة، وأصله: طَفْء، من طفئت النار: ذهب لهبها (ص). تكون: في ط: "فأنت". 
بمُوقَد: كذا ضبطت في ف بضم الميم وفتح القاف. وهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف. ويجوز أن يكون مصدرًا ميميًّا. (ص) ومعنى البيت: أن الواجب على المسلم أن يحارب هوى نفسه ويدافع طغيانها فإذا ولجت في باطل أو وقعت في تقصير فلا ينتصر لها بل يردعها ويخذلها عن ذلك، فإن انتصر لها فهو كمن زاد الطين بلّة ويكون شأنه كمن أراد أن يطفئ الدخان بموقد النيران. 
٢٥٨ - في ح، ط: "سوف ينصر" ولعله تغيير من ناسخ رأى كلمة "بأمان" مكتوبة في بعض النسخ بدون ياء، فظنّها من الأمن (ص). 
الأماني: جمع أمنية من التمني وهو تشهي حصول المرغوب فيه وحديث النفس بما يكون وما لا يكون. اللسان ١٥/ ٢٩٤
٢٥٩ - حذف الفاء من جواب الشرط للضرورة (ص). 
بجنان: يعني: الجَنّات. ويشير -رحمه الله- إلى قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٢٣) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (١٢٤)} [النساء: ١٢٣، ١٢٤]. 
قال ابن كثير في تفسير الآية: "المعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، وليس كل من ادعى شيئًا حصل له بمجرد دعواه ولا كل من قال إنه على الحق سمع قوله بمجرد ذلك حتى يكون له من الله برهان لهذا قال تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} أي ليس لكم نجاة بمجرد التمني بل العبرة بطاعة الله سبحانه واتباع شرعه" أ. هـ. تفسير ابن كثير ١/ ٥٥٧ بتصرف يسير، انظر تفسير الطبري مجلد ٤/ج ٥/ ٢٨٨. 
(١) كلمة "عقد" ليست في الأصل.


نونية ابن القيم الكافية الشافية - ط عطاءات العلم (1/ 106- 107)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله