الفرق بين الفأل والطيرة

فقوله صلى الله عليه وسلم: «لا طِيَرة، وخيرُها الفأل» ينفي عن الفأل مذهبَ الطِّيَرة من تأثيرٍ أو فعلٍ أو شرك، ويخلِّصُ الفألَ منها.

وفي الفُرقان بينهما فائدةٌ كبيرة، وهي أنَّ التطيُّر هو التشاؤمُ من الشيء المرئيِّ أو المسموع، فإذا استعملها الإنسانُ فرجع بها من سفره، وامتنع بها مما عزَم عليه؛ فقد قَرع بابَ الشرك، بل وَلَجَه وبراء من التوكُّل على الله، وفتحَ على نفسه باب الخوف والتعلُّق بغير الله والتطيُّر مما يراه أو يسمعُه، وذلك قاطعٌ له عن مقام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}، و {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}، فيصير قلبُه متعلِّقًا بغير الله عبادةً وتوكُّلًا، فيفسُد عليه قلبُه وإيمانُه وحالُه، ويبقى هدفًا لسهام الطِّيَرة، ويُسَاقُ إليه من كلِّ أوب، ويقيِّض له الشيطانُ من ذلك ما يُفْسِدُ عليه دينَه ودنياه، وكم ممَّن هلك بذلك، وخسر الدنيا والآخرة!

فأين هذا من الفأل الصالح السَّارِّ للقلوب، المؤيِّد للآمال، الفاتح بابَ الرجاء، المسكِّن للخوف، الرابط للجأش، الباعث على الاستعانة بالله والتوكل عليه، والاستبشار المقوِّي لأمله، السَّارِّ لنفسه؟! فهذا ضدُّ الطِّيَرة.

فالفألُ يفضي بصاحبه إلى الطاعة والتوحيد، والطِّيَرة تفضي بصاحبها إلى المعصية والشرك؛ فلهذا استحبَّ صلى الله عليه وسلم الفألَ وأبطلَ الطِّيَرة.


مفتاح دار السعادة (3/ 1523)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله