الفرح بالمعصية
الفرحُ بالمعصية دليلُ شدّةِ الرّغبة فيها، والجهلِ بقَدْر مَن عصاه، والجهلِ بسوء عاقبتها وعظم خطرها= ففرحُه بها غطّى عليه ذلك كلُّه. وفرحُه بها أشدُّ ضررًا عليه من مواقعتها. والمؤمنُ لا تتمُّ لذَّتُه بمعصيته أبدًا، ولا يكمل بها فرحُه؛ بل لا يباشرها إلّا والحزنُ مخالطٌ لقلبه، ولكنَّ سكرَ الشَّهوة يحجبه عن الشُّعور به. ومتى خلا قلبُه من هذا الحزن واشتدَّت غبطتُه وسرورُه فليتَّهِمْ إيمانَه، وليَبْكِ على موت قلبه؛ فإنّه لو كان حيًّا لأحزنه ارتكابُه للذَّنب، وغاظه، وصعب عليه، ولأحَسَّ القلبُ بذلك؛ فحيث لم يُحِسَّ به فـ"ما لجُرْحٍ بميِّتٍ إيلامُ".
وهذه النُّكتةُ في الذّنب قلَّ مَن يهتدي لها أو يتنبَّه عليها. وهي موضعٌ مخوفٌ جدًّا، مترامٍ إلى هلاكٍ إن لم يتدارك بثلاثة أشياء: خوفٍ من الموافاة عليه قبل التّوبة، وندمٍ على ما فاته من الله بمخالفة أمره، وتشميرٍ للجدِّ في استدراكه.
مدارج السالكين (1/ 278 – 279 ط عطاءات العلم)
- المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله