كان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتَّى توفَّاه الله عز وجل، وتركه مرَّةً، فقضاه في شوَّالٍ.
واعتكف مرَّةً العشرَ الأوَّل ثمَّ الأوسط ثمَّ العشر الأخير، يلتمس ليلة القدر، ثمَّ تبيَّن له أنَّها في العشر الأخير، فداومَ على اعتكافه حتَّى لحق بربِّه عز وجل.
وكان يأمر بخِبَاءٍ فيُضرَب له في المسجد، يخلو فيه بربِّه عز وجل.
وكان إذا أراد الاعتكاف صلَّى الفجر ثمَّ دخله، فأمر به مرَّةً فضُرِب له، فأمر أزواجُه بأخبيتهنَّ فضُرِبت، فلمَّا صلَّى الفجر نظر فرأى تلك الأخبية، فأمر بخبائه فقُوِّض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتَّى اعتكف في العشر الأوَّل من شوَّالٍ.
وكان يعتكف كلَّ سنةٍ عشرة أيَّامٍ، فلمَّا كان العام الذي قُبِض فيه اعتكف عشرين يومًا. وكان يعارضه جبريل بالقرآن كلَّ سنةٍ مرَّةً، فلمَّا كان ذلك العام عارضه به مرَّتين، وكان يعرض عليه القرآن أيضًا في كلِّ سنةٍ مرَّةً فعرض عليه تلك السَّنة مرَّتين.
وكان إذا اعتكف دخل قبَّته وحده، وكان لا يدخل بيته في حال اعتكافه إلا لحاجة الإنسان، وكان يُخرِج رأسه من المسجد إلى بيت عائشة، فتُرجِّله وتَغسله وهو في المسجد وهي حائضٌ. وكان بعض أزواجه تزوره وهو معتكفٌ. فإذا قامت تذهب قام معها يَقْلِبُها، وكان ذلك ليلًا. ولم يكن يباشر امرأةً من نسائه وهو معتكفٌ لا بقُبلةٍ ولا غيرها. وكان إذا اعتكف طُرِح له فراشه، ووُضِع له سريره في معتكَفه، وكان إذا خرج لحاجته مرَّ بالمريض وهو في طريقه، فلا يُعرِّج ولا يسأل عنه. واعتكف مرَّةً في قبَّةٍ تركيَّةٍ، وجعل على سُدَّتها حصيرًا، كلُّ هذا تحصيلًا لمقصود الاعتكاف وروحه، عكس ما يفعله الجهَّال من اتِّخاذ المعتكف موضعَ عِشْرةٍ ومَجْلبةٍ للزَّائرين، وأخذِهم بأطراف الأحاديث بينهم، فهذا لونٌ، والاعتكاف النَّبويُّ المحمدي لونٌ. والله الموفِّق.
زاد المعاد في هدي خير العباد (٢/ ٨٤ - ٨٦)