يا راميًا بسِهام اللَّحظ مجتهدًا … أنت القتيلُ بما تَرْمي فلا تُصِبِ
وباعثَ الطَّرْف يرتادُ الشِّفَاءَ له … توَقّهُ إنَّه يَرْتَدُّ بالعَطَبِ
ترجو الشفاءَ بأحداقٍ بها مَرَضٌ … فهل سمعت ببُرْءٍ جاءَ من عَطَبِ
ومُفْنِيًا نفسَه في إثْرِ أقبحِهِمْ … وصفًا للطخ جمال فيه مستلبِ
وواهبًا عُمْرَه في مثل ذا سفهًا … لو كنتَ تعرفُ قدْر العمر لم تَهَبِ
وبائعًا طيبَ عيشٍ ما له خَطَرٌ … بطيْف عيش من الآلام منتهبِ
غُبِنْتَ واللهِ غُبْنًا فاحشًا فلو اسـ … ـتَرْجَعْتَ ذا العقدَ لم تُغْبَنْ ولم تَخبِ
وواردًا صفوَ عيش كلُّه كَدَرٌ .. أمامَكُ الوِرْدُ صفوًا ليس بالكذب
وحاطبَ اللَّيلِ في الظَّلماء منتصبًا … لكلِّ داهيةٍ تُدْني من العَطَب
شاب الصِّبا والتَّصابي بَعْدُ لم يَشِبِ … وضاعَ وقتُك بين اللَّهوِ واللَّعِبِ
وشمسُ عمرك قد حان الغروبُ لها … والفيء في الأفق الشرقيِّ لم يغبِ
وفاز بالوصلِ من قد فازَ وانْقشعَتْ … عن أفقه ظُلُماتُ اللَّيلِ والسُّحُب
كم ذا التخلف والدنيا قد ارتحلتْ … ورسْلُ ربِّك قد وافتْكَ في الطَّلَبِ
ما في الديار وقد سارتْ ركائِبُ مَنْ … تهواه للصَّبِّ من سكنى ولا أَرَبِ
فأَفْرِش الخدَّ ذيَّاك التُّرَابَ وقل … ما قاله صاحبُ الأشواق في الحِقَبِ
ما رَبْعُ مَيَّةَ محفوفًا يطيف به … غَيْلان أشهى له من رَبْعِكَ الخرِب
ولا الخدودُ وإن أُدْمِينَ من ضَرَج … أشهى إلى ناظرِي من خدِّكَ التَّرِبِ
منازلًا كان يهواها ويألفُها … أيامَ كان منالُ الوصل عن كَثَبِ
وكلما جليت تلك الرُّبوعُ له … يهوي إليها هُوِيَّ الماءِ في صَبَبِ
أحيا له الشَّوْقُ تَذْكارَ العهودِ بها … فلو دعا القلبُ للسُّلْوانِ لم يُجِبِ
هذا وكم منزلٍ في الأرض يألفُهُ … وما له في سواها الدَّهْرَ مِنْ رَغَبِ
ما في الخيام أخو وجدٍ يريحُك إن … بَثَثْتَهُ بعضَ شأن الحبِّ فاغتربِ
وأَسْرِ في غَمَرَات الليلِ مهتديًا … بنفحةِ الطِّيب لا بالنَّار والحَطَبِ
وعادِ كلَّ أخي جُبْن ومَعْجَزَةٍ … وحارب النفسَ لا تُلْقِيكَ في الحَرَبِ
وخذ لنفسِكَ نورًا تستضيءُ به … يوم اقتسام الورى الأنوارَ بالرُّتَبِ
فالجسرُ ذو ظلماتٍ ليسَ تقطعُهُ … إلا بنور يُنَجِّي العبدَ في الكُرَبِ
بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (2/ 818 - 819)