29 - باب مسيرة ما يفطر فيه
243/ 2305 - عن منصور الكلبي، أن دِحْيَة بن خليفة خرج من قرية [من] دمشق مرَّة إلى قدر قرية عُقْبةَ من الفسطاط ــ وذلك ثلاثة أميال ــ في رمضان، ثم إنه أفطر وأفطر معه ناس، وكره آخرون أن يفطروا، فلما رجع إلى قريته قال: «والله لقد رأيت اليوم أمرًا ما كنت أظنُّ أنِّي أراه، إن قومًا رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه»، يقول ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك».
قال الخطابي: وليس الحديث بالقوي، وفي إسناده رجل ليس بالمشهور. وهو يشير إلى منصور الكلبي، فإن رجال الإسناد جميعهم ثقات محتجّ بهم في الصحيح سواه. وهو مصري، روى عنه أبو الخير مرثد بن عبد الله اليَزَني. ولم أجد من روى عنه سواه، فيكون مجهولًا، كما ذكره الخطابي. ولم يَزِدْ فيه البخاري على: «منصور الكلبي». وقال ابن يونس في «تاريخ المصريين»: منصور بن سعيد بن الأصبغ الكلبي.
وقال البيهقي: والذي رُوينا عن دحية الكلبي ــ إن صح ذلك ــ فكأنه ذهب فيه إلى ظاهر الآية في الرخصة في السفر، وأراد بقوله: «رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه» في قبول الرخصة، لا في تقدير السفر الذي أفطر فيه. والله أعلم.
قال ابن القيم رحمه الله: قال المجوزون للفطر في مطلق السفر: هب أن حديث دحية لم يثبت. فقد أطلق الله تعالى السفر، ولم يقيِّده بحد، كما أطلقه في آية التيمم، فلا يجوز حدّه إلا بنص من الشارع أو إجماع من الأمة، وكلاهما مما لا سبيل إليه. كيف وقد قصر أهل مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومزدلفة، ولا تأثير للنسك في القصر بحال، فإن الشارع إنما علّق القصر بالسفر، فهو الوصف المؤثر فيه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى مسيرة البريد سفرًا في قوله: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر بريدًا إلا مع ذي محرم».
وقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]، وهذا يدخل فيه كل سفر طويل أو قصير.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا سافرتم في الخِصْب فأعطُوا الإبل حقَّها من الأرض، وإذا سافرتم في الجَدْب فبادِرُوا بها نِقْيَها»، وهذا يعمّ كل سفر، ولم يفهم منه أحد اختصاصه باليومين فما زاد.
ونهى أن يُسافر بالقرآن إلى أرض العدو، ونهى أن يسافر الرجل وحده، وأخبر أن دعوة المسافر مستجابة،
وكان يتعوذ مِن وَعثاء السفر، وكان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه. ومعلوم أن شيئًا من هذه الأسفار لا يختص بالطويل. ولو سافر دون اليومين أقرع بين نسائه، ولم يقضِ للمقيمات. فما الذي أوجب تخصيص اسم السفر بالطويل بالنسبة إلى القصر والفطر دون غيرهما؟
قالوا: وأين معنا في الشريعة تقسيم الشارع السفر إلى طويل وقصير، واختصاص أحدهما بأحكام لا يشاركه فيها الآخر. ومعلوم أن إطلاق السفر لا يدل على اختصاصه بالطويل، ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم مقداره. وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع، فسكوته عن تحديده من أظهر الأدلة على أنه غير محدود شرعًا.
قالوا: والذين حددوه ــ مع كثرة اختلافهم وانتشار أقوالهم ــ ليس معهم نص بذلك، وليس حدٌّ بأولى من حد، ولا إجماعَ في المسألة، فلا وجه للتحديد. وبالله التوفيق.
تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (2/ 107 - 110)