أنواع الكفر وحكم من يحكم بغير ما أنزل الله

  • قول ابن القيم في المسألة: والصَّحيحُ: أنَّ‌‌ الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين: الأصغرَ والأكبرَ، بحسب حال الحاكم، فإنّه إن اعتقد وجوبَ الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدَلَ عنه معصيةً، مع اعترافه بأنّه مستحقٌّ للعقوبة= فهذا كفرٌ أصغر. وإن اعتقد أنَّه غيرُ واجبٍ وأنّه مخيَّرٌ فيه، مع تيقُّنه أنّه حكمُ الله تعالى، فهذا كفرٌ أكبر. وإن جهِلَه وأخطَأَه، فهذا مخطئٌ له حكمُ المخطئين.

فأمّا الكفر، فنوعان: كفرٌ أكبر، وكفرٌ أصغر.

فالكفر الأكبر: هو الموُجِبُ للخلود في النّار.

والأصغَرُ: مُوجِبٌ لاستحقاق الوعيد دون الخلود، كما في قوله تعالى وكان ممَّا يتلى فنُسِخَ لفظهُ: "لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفرٌ بكم"، وقولِه صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "اثنتان في أمّتي، هما بهم كفرٌ: الطَّعنُ في النَّسَب، والنِّياحة"، وقولهِ في "السُّنن": "من أتى امرأةً في دبرها فقد كفَر بما أُنزِل على محمّدٍ صلى الله عليه وسلم "، وفي الحديث الآخر: "من أتى كاهنًا، فصدَّقه بما يقول، فقد كفَر بما أُنزِلَ على محمّدٍ صلى الله عليه وسلم"، وقوله: "لا ترجعوا بعدي كفّارًا يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ".

وهذا تأويل ابنِ عبّاسٍ وعامَّةِ أصحابه في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]. قال ابن عبَّاسٍ: ليس بكفرٍ ينقل عن الملَّة، بل إذا فعَلَه فهو به كفرٌ؛ وليس كمن كفَر بالله واليوم الآخر. وكذلك قال طاوسٌ.

وقال عطاءٌ: هو كفرٌ دون كفرٍ، وظلمٌ دون ظلمٍ، وفسقٌ دون فسقٍ.

ومنهم من تأوَّلَ الآية على ترك الحكم بما أنزل الله جاحدًا له، وهو قول عكرمة. وهو تأويلٌ مرجوحٌ، فإنَّ نفسَ جحوده كفرٌ، سواءٌ حكَم أو لم يحكُم.

ومنهم من تأوَّلَها على ترك الحكم بجميع ما أنزل الله. قال: ويدخل في ذلك الحكمُ بالتَّوحيد والإسلام. وهذا تأويل عبد العزيز الكِنانيِّ. وهو أيضًا بعيدٌ، إذ الوعيد على نفي الحكم بالمنزَّل، وهو يتناول تعطيلَ الحكم بجميعه وببعضه.

ومنهم من تأوَّلَها على الحكم بمخالفة النّصِّ تعمُّدًا من غير جهلٍ به ولا خطأٍ في التّأويل. حكاه البغويُّ عن العلماء عمومًا.

ومنهم من تأوَّلَها على أهل الكتاب. وهو قول قتادة والضّحاك وغيرهما. وهو بعيدٌ خلافُ ظاهر اللَّفظ، فلا يصار إليه.

ومنهم من جعله كفرًا ينقُل عن الملَّة.

والصَّحيحُ: أنَّ‌‌ الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين: الأصغرَ والأكبرَ، بحسب حال الحاكم، فإنّه إن اعتقد وجوبَ الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدَلَ عنه معصيةً، مع اعترافه بأنّه مستحقٌّ للعقوبة= فهذا كفرٌ أصغر. وإن اعتقد أنَّه غيرُ واجبٍ وأنّه مخيَّرٌ فيه، مع تيقُّنه أنّه حكمُ الله تعالى، فهذا كفرٌ أكبر. وإن جهِلَه وأخطَأَه، فهذا مخطئٌ له حكمُ المخطئين.


مدارج السالكين (1/ 517 – 520 ط عطاءات العلم)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله