لم يكن هديه حلق رأسه في غير نسك، بل لم يحفظ عنه أنه حلق رأسه إلا في حج أو عمرة.
وحلق الرأس أربعة أقسام: شرعي، وشركي، وبدعي، ورخصة.
فالشرعي: الحلق في الحج والعمرة.
والشركي: حلق الرأس للشيوخ فإنهم يحلقون رءوس المريدين للشيخ، ويقولون: احلق رأسك للشيخ فلان، وهذا من جنس السجود له، فإن حلق الرأس عبودية مذلة، وكثير منهم يعمل المشيخة الوثنية، فترى المريد عاكفا على السجود له ويسميه وضع رأس وأدبا، وعلى التوبة له، والتوبة لا ينبغي أن تكون لأحد إلا لله وحده، وعلى حلق الرأس له، وحلق الرأس عبودية لا تصلح إلا لله وحده، وكانت العرب إذا أمنوا على الأسير جزوا نواصيه وأطلقوه عبودية وإذلالا له، ولهذا كان من تمام النسك وضع النواصي لله عبودية وخضوعا وذلا، ويربونه على الحلف باسم الشيخ لإذلاله.
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من حلف بغير الله فقد أشرك". فكيف من نذر لغير الله؟! .
وأما الحلق البدعي فهو: كحلق كثير من المطوعة والفقراء يجعلونه شرطا في الفقر، وزيا يتميزون به عن أهل الشعور من الجند والفقهاء والقضاة وغيرهم.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج أنه قال: "سيماهم التحليق".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لصبيغ بن عسل وقد سأله عن مسائل فأمر بكشف رأسه وقال: "لو رأيتك محلوقا لأخذت الذي فيه عيناك حتى أن تكون من الخوارج".
ومن حلق البدعة الحلق عند المصائب بموت القريب ونحوه، فأما المرأة فيحرم عليها ذلك، وقد بَرِئ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحالقة والصالقة والشاقة.
فالحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة.
والصالقة: التي ترفع صوتها بالويل والثبور ونحوه.
والشاقة التي تشق ثيابها.
وأما الرجل فحلقه لذلك بدعة قبيحة يكرهها الله ورسوله.
وأما حلق الحاجة والرخصة فهو: كالحلق لوجع أو قمل أو أذى في رأسه من بثور ونحوها فهذا لا بأس به.
وأما حلق بعضه وترك بعضه فهو مراتب: أشدها أن يحلق وسطه ويترك جوانبه كما تفعل شمامسة النصارى، ويليه أن يحلق جوانبه ويدع وسطه كما يفعل كثير من السفلة وأسقاط الناس، ويليه أن يحلق مقدم رأسه ويترك مؤخره.
وهذه الصور الثلاث داخلة في القزع الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعضها أقبح من بعض.
فإن دعت الحاجة إلى ذلك لضرر برأسه أو لاستخراج ضفيرة تؤذي عينيه جاز حلق بعضه هذا، والأولى في هذه الحال أن يقتصر على ما تندفع به الحاجة أو حلق جميعه، وهذا فيه نظر.
يرد بعضه فوق بعض على الرأس، فكل هذا مكروه.
وإن قصر إلى شحمة الأذن أو فوقها بحيث لا يتأتى فرقه وجعله ذؤابتين جاز سدله من غير كراهة، وهكذا كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعره إن طال فرقه وإلا تركه.
والمقصود أن أهل الذمة يؤخذون بتمييزهم عن المسلمين في شعورهم إما بجز مقادم رءوسهم وإما بسدلها، ولو حلقوا رءوسهم لم يعرض لهم.
أحكام أهل الذمة (3/ 1291)