وهذه فائدة أخرى من فوائد الذكر والثناء، أنه يجعل الدعاء مستجاباً.
فالدعاء الذي تقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد، فإن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه كان أبلغ في الإجابة وأفضل، فإنه يكون قد توسل المدعو بصفات كماله وإحسانه وفضله، وعرض بل صرح بشدة حاجته وضرورته وفقره ومسكنته، فهذا المقتضى منه، وأوصاف المسئول مقتضى من الله، فاجتمع المقتضي من السائل والمقتضى من المسؤول في الدعاء، وكان أبلغ وألطف موقعاً وأتم معرفة وعبودية.
وأنت ترى في المشاهد ـ ولله المثل الأعلى ـ أن الرجل إذا توسل إلى ما يريد معروفه بكرمه وجوده وبره وذكر حاجته هو وفقره ومسكنته كان أعطف لقلب المسؤول وأقرب لقضاء حاجته.
فإذا قال له: أنت جودك قد سارت به الركبان، وفضلك كالشمس لا تنكر ونحو ذلك، وقد بلغت بي الحاجة والضرورة مبلغاً لا صبر معه ونحو ذلك، كان أبلغ في قضاء حاجته من أن يقول ابتداء أعطني كذا وكذا.
فإذا عرفت هذا فتأمل قول موسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعائه: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص: 24] وقول ذي النون في دعائه: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87]، وقول أبينا آدم: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
وفي الصحيحين أن أبا بكر الصديق قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي، فقال: "قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم".
فجمع في هذا الدعاء الشريف العظيم القدر بين: الاعتراف بحاله والتوسل إلى ربه عز وجل بفضله وجوده وأنه المنفرد بغفران الذنوب، ثم سأل حاجته بعد التوسل بالأمرين معاً. فهكذا أدب الدعاء وآداب العبودية.
الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 90)