حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الهدنة وما ينقضها

ثبت عنه أنَّه صالح أهلَ مكَّة على وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين، ودخل حلفاؤهم من بني بكرٍ معهم، وحلفاؤه من خُزاعة معه، فعدَتْ حلفاءُ قريشٍ على حلفائه فغدروا بهم، فرضيَتْ قريشٌ ولم تنكره، فجعلهم بذلك ناقضين للعهد، واستباح غزوَهم من غير نَبْذ عهدهم إليهم؛ لأنَّهم صاروا محاربين له ناقضين لعهده برضاهم، وإقرارهم لحلفائهم على الغدر بحلفائه، وألْحَق رِدْأهم في ذلك بِمُباشِرِهم.

وثبت عنه أنَّه صالحَ يهودَ وعاهدَهم لمَّا قدم المدينة، فغدروا به ونقضوا عهده مرارًا، وكلُّ ذلك يحاربهم ويظفر بهم، وآخر ما صالَحَ يهودَ خيبر على أنَّ الأرض له، ويقرُّهم فيها عمَّالًا له ما شاء، وكان هذا الحكم فيهم منه حجَّةً على جواز صلح الإمام لعدوِّه ما شاء من المدَّة، فيكون العقد جائزًا له فسخُه متى شاء، وهذا هو الصَّواب، وهو موجَب حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ناسخ له.

وكان في صلحه لأهل مكَّة أنَّ مَن أحبَّ أن يدخل في عهده وعقده دخل، ومَن أحبَّ أن يدخل في عهد قريشٍ وعقدهم دخل، وأنَّ من جاءهم من عنده لا يردُّونه إليه، ومن جاءه منهم ردَّه إليهم، وأنَّه يدخل العامَ القابلَ إلى مكَّة فيُخْلوها له ثلاثًا، ولا يدخلها إلا بِجُلُبَّان السَّلاح، وقد تقدَّم ذكر هذه القصَّة وفقهها في موضعه.


زاد المعاد في هدي خير العباد (5/ 135 - 136 ط عطاءات العلم )

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله