حديث: "عمرة في رمضان تعدل حجة" والاعتمار من مكة في رمضان

وهذا موضع يَغْلَط فيه كثير من قاصري العلم، يحتجّون بعموم نص على حكم، ويغفُلون عن عمل صاحب الشريعة وعمل أصحابه الذي يبين مراده، ومن تدبر هذا علم به مراد النصوص وفهم معانيها.

وكان يدور بيني وبين المكيين كلام في الاعتمار من مكة في رمضان وغيره، فأقول لهم: كثرة الطواف أفضل منها، فيذكرون قوله صلى الله عليه وسلم: «عمرة في رمضان تعدل حجة»،

فقلت لهم في أثناء ذلك: محال أن يكون مراد صاحب الشرع العمرة التي يُخرَج لها من مكة إلى أدنى الحل، وأنها تعدل حجة، ثم لا يفعلها هو مدة مقامه بمكة أصلًا، لا قبل الفتح ولا بعده، ولا أحد من أصحابه، مع أنهم أحرص الأمة على الخير، وأعلمهم بمراد الرسول، وأقدرهم على العمل به. ثم مع ذلك يرغبون عن هذا العمل اليسير والأجر العظيم؟ يقدر أن يحج أحدهم في رمضان ثلاثين حجة أو أكثر، ثم لا يأتي منها بحجة واحدة، وتختصون أنتم عنهم بهذا الفضل والثواب، حتى يحصل لأحدكم ستون حجة أو أكثر؟! هذا مما لا يظنّه من له مُسْكة عقل. وإنما خرج كلام النبي صلى الله عليه وسلم على العمرة المعتادة التي فعلها هو وأصحابه، وهي التي أنشؤوا لها السفر من أوطانهم، وبها أمر أُمَّ معقل، وقال لها: «عمرة في رمضان تعدل حجة»، ولم يقل لأهل مكة: اخرجوا إلى أدنى الحلّ فأكثروا من الاعتمار، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة، ولا فهم هذا أحد منهم. وبالله التوفيق.


تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (2/ 102 - 103)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله