خطأ الاغترار بصيام عاشوراء في تكفير الذنوب مع الإصرار على الكبائر
يقول ابن القيم رحمه الله في الداء والدواء (ص: 25):
وكاغترار بعضهم على صوم يوم عاشوراء، أو يوم عرفة، حتى يقول بعضهم: يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها، ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر، ولم يدر هذا المغتر، أن صوم رمضان، والصلوات الخمس، أعظم وأجل من صيام يوم عرفة، ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر.
فرمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، لا يقويا على تكفير الصغائر، إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر.
فكيف يكفّر صوم يوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مصر عليها، غير تائب منها؟ هذا محال على أنه لا يمتنع أن يكون صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء مُكفرا لجميع ذنوب العام على عمومه، ويكون من نصوص الوعد التي لها شروط وموانع، ويكون إصراره على الكبائر مانعا من التكفير، فإذا لم يصر على الكبائر لتساعد الصوم وعدم الإصرار، وتعاونهما على عموم التكفير، كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اجتناب الكبائر متساعدين متعاونين على تكفير الصغائر مع أنه سبحانه قد قال: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) [النساء: 31].
ويقول في الوابل الصيب (ص: 10): وينبغي أن يعلم أن سائر الأعمال تجري هذا المجرى، فتفاضل الأعمال عند الله تعالى بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها.
وهذا العمل ال كامل هو الذي يكفر السيئات تكفيراً كاملاً، والناقص بحسبه.
وبهاتين القاعدتين تزول إشكالات كثيرة وهما.
تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان، وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه.
وبهذا يزول الاشكال الذي يورده من نقص حظه من هذا الباب على الحديث الذي فيه "أن صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ويوم عاشوراء يكفر سنة" قالوا: فإذا كان دأبه دائماً انه يصوم يوم عرفة فصامه وصام يوم عاشوراء، فكيف يقع تكفير ثلاث سنين كل سنة، وأجاب بعضهم عن هذا بأن ما فضل عن التكفير ينال به الدرجات.
ويالله العجب، فليت العبد إذا أتى بهذه المكفرات كلها أن تكفر عنه سيئاته باجتماع بعضها إلى بعض، والتكفير بهذه مشروط بشروط، موقوف على انتفاء الموانع كلها فحينئذ يقع التكفير، وأما عمل شملته الغفلة أو لأكثره، وفقد الإخلاص الذي هو روحه، ولم يوف حقه، ولم يقدره حق قدره، فأي شيء يكفر هذا؟ فإن وثق العبد من عمله بأنه وفاه حقه الذي ينبغي له ظاهراً وباطناً، ولم يعرض له مانع يمنع تفكيره ولا مبطل يحبطه ـ من عجب أو رؤية نفسه فيه أو يمن به أو يطلب من العباد تعظيمه به أويستشرف بقلبه لمن يعظمه عليه أو يعادي من لا يعظمه عليه ويرى أنه قد بخسه حقه وأنه قد استهان بحرمته ـ فهذا أي شيء يكفر؟.
- المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله