من عارض بين الوحي والعقل فقد قال بتكافؤ الأدلة؛ لأن العقل الصحيح لا يكذب، والوحي أصدق منه، وهما دليلان صادقان، فإذا تعارضا تكافآ، فإن لم يُقدِّم أحدهما بقي في الحيرة والشك، وإن قدَّم أحدهما على الآخر أبطل موجب الدليل الصحيح وأخرجه عن كونه دليلًا، فيبقى حائرًا بين أمرين لا بد له من أحدهما: إمَّا أن يُسيء الظنَّ بالوحي أو بالعقل، والعقل عنده أصل الوحي فلا يمكنه أن يُسيء الظنَّ به، فيسطو على الوحي تارةً بالتحريف والتأويل، وتارةً بالتخييل، وتارةً بالدفع والتكذيب إن أمكن، وذلك في نصوص السُّنَّة، وتارةً يدعي ذلك في نصوص القرآن، كما يدَّعيه غُلاة الرَّافضة وكثيرٌ من القرامطة وأشباههم، وهذا كله إنما نشأ من ظنونهم الفاسدة أن العقل الصحيح يُعارض الوحي الصريح.
وأمَّا أهل العلم والإيمان ـ أهل السمع والعقل ـ فعندهم أن فرض هذه المسألة محالٌ، وأن فرضها كفرض مسألة إذا تعارض العقل وأدلة ثبوت النُّبوة والرِّسالة، وإذا تعارض العقل وأدلة ثبوت الخالق وتوحيده، والمعارضة بين العقل والوحي كالمعارضة بين العقل وإثبات الصَّانع وتوحيده ورسالة رسله، ولهذا طرَدوا منع هذه القاعدة في ذلك الأصل، وقالوا: الباب كله واحدٌ.
الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (2/ 625 - 626)

