من محاسن الوضوء بين يَدَي الصَّلاة

فتأمَّل محاسنَ الوضوء بين يَدَي الصَّلاة، وما تضمَّنه من النَّظافة والنَّزاهة ومجانبة الأوساخ والمستقذرات.

وتأمَّل كيف وُضِع على الأعضاء الأربعة التي هي آلةُ البطش والمشي، ومَجْمَعُ الحواسِّ التي أكثرُ تعلُّق الذُّنوب والخطايا بها، ولهذا خصَّها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالذِّكر في قوله: «إنَّ اللهَ كتب على ابن آدم حظَّه من الزِّنا أدركَ ذلك لا محالة؛ فالعينُ تزني وزناها النَّظر، والأذنُ تزني وزناها الاستماع، واليدُ تزني وزناها البطش، والرِّجلُ تزني وزناها المشي، والقلبُ يتمنَّى ويشتهي، والفرجُ يصدِّقُ ذلك أو يكذِّبه».

فلمَّا كانت هذه الأعضاءُ هي أكثر الأعضاء مباشرةً للمعاصي، كان وَسَخُ الذُّنوب ألصَق بها، وأعلَق من غيرها؛ فشرع أحكمُ الحاكمين الوضوء عليها ليتضمَّن نظافتَها وطهارتها من الأوساخ الحِسِّية وأوساخ الذُّنوب والمعاصي.

وقد أشار النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله: «إذا توضَّأ العبدُ المسلم خرجت خطاياه مع الماء ــ أو: مع آخر قَطْر الماء ــ، حتى تخرجَ من تحت أظفاره».

وقال أبو أمامة: يا رسول الله، كيف الوضوء؟ فقال: «أمَا فإنَّك إذا توضَّأتَ فغسلتَ كفَّيك فأنقيتَهما خرجَت خطاياكَ من بين أظفارك وأناملك، فإذا مَضْمَضْتَ واسْتَنْشَقْتَ بمَنْخِريك، وغسلتَ وجهَك ويديكَ إلى المرفقَين، ومسحتَ برأسك، وغسلتَ رجليكَ إلى الكعبين= اغتسلتَ من عامَّة خطاياك؛ فإن أنت وضعتَ وجهَك لله خرجتَ من خطاياكَ كيوم ولدتكَ أمُّك» رواه النَّسائي.

والأحاديثُ في هذا الباب كثيرة.

فاقتضت حكمةُ أحكم الحاكمين ورحمتُه أن شرع الوضوءَ على هذه الأعضاء التي هي أكثرُ الأعضاء مباشرةً للمعاصي، وهي الأعضاءُ الظَّاهرةُ البارزةُ للغُبار والوَسَخ أيضًا، وهي أسهلُ الأعضاء غسلًا، فلا يشقُّ تكرارُ غَسلها في اليوم والليلة؛ فكانت الحكمةُ الباهرةُ في شرع الوضوء عليها دون سائر الأعضاء.

وهذا يدلُّ على أنَّ المضمضة من آكد أعضاء الوضوء، ولهذا كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يداومُ عليها، ولم يُنْقَل عنه بإسنادٍ قطُّ أنه أخلَّ بها يومًا واحدًا، وهذا يدلُّ على أنها فرضٌ لا يصحُّ الوضوءُ بدونها، كما هو الصَّحيحُ من مذهب أحمدَ وغيره من السَّلف.

فمن سوَّى بين هذه الأعضاء وغيرها، وجعل تعيينَها بمجرَّد الأمر الخالي عن الحكمة والمصلحة، فقد ذهب مذهبًا فاسدًا، فكيف إذا زعم مع ذلك أنه لا فرق في نفس الأمر بين التَّعبُّد بذلك وبين أن يُتَعَبَّد بالنَّجاسة وأنواع الأقذار والأوساخ والأنتان والرائحة الكريهة، ويجعل ذلك مكانَ الطَّهارة والوضوء، وأنَّ الأمرين سواء، وإنما يحكمُ بمجرَّد المشيئة بهذا الأمر دون ضدِّه، ولا فرق بينهما في نفسِ الأمر؟! وهذا قولٌ تصوُّره كافٍ في الجزم ببطلانه.

وجميعُ مسائل الشريعة كذلك آياتٌ بيِّنات، ودلالاتٌ واضحات، وشواهدُ ناطقاتٌ بأنَّ الذي شرعها له الحكمةُ البالغة، والعلمُ المحيط، والرحمة والعنايةُ بعباده، وإرادةُ الصَّلاح لهم، وسَوْقِهم بها إلى كمالهم وعواقبهم الحميدة.

وقد نبَّه سبحانه عباده على هذا، فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، إلى قوله: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6]؛ فأخبَر سبحانه أنه لم يأمرهم بذلك حَرَجًا عليهم، وتضييقًا ومشقَّة، ولكنْ إرادةَ تطهيرهم وإتمام نعمته عليهم، ليشكروه على ذلك، فله الحمدُ كما هو أهلُه، وكما ينبغي لكرم وجهه وعِزِّ جلاله.


مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (2/ 915 - 918)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله
hacklink hack forum hacklink film izle hacklink บาคาร่าสล็อตเว็บตรงสล็อตonwinmatadorbettipobetonwinsahabetonwinสล็อตเว็บตรงcasibomGalabetartemisbetmarsbahisgooglezbahiskavbetcasibomsadfasdfsdfasdasdasdasdfixbetfixbet girişcasibom girişcasinolevantgiftcardmall/mygiftumzugsfirma wiensitus slot gacorGalabetsahabetjojobet girişcasibommarsbahistaraftarium24jojobet girişgrandpashabetbetnanobetnanoultrabetMeritkingMarsbahispusulabetholiganbetjojobet