قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة فيه

وليس من كانت الصلاة ربيعا لقلبه، وحياة له، وراحة وقرة لعينه، وجلاء لحزنه وذهابا لهمه وغمه، ومفزعا له إليه في نوائبه ونوازله، كمن هي سُحتٌ لجوارحه، وتكليف له وثقل عليه، فهي كبيرة على هذا وقرة عين وراحة لذلك.
وقال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[البقرة: 45، 46] فإنما كبرت على غير هؤلاء لخُلوِّ قلوبهم من محبة الله تعالى وتكبيره وتعظيمه والخشوع له، وقلّة رغبتهم فيه، فإن حضور العبد في الصلاة وخشوعه فيها وتكميله لها واستفراغه وسعة في إقامتها وإتمامها على قدر رغبته في الله تعالى.
قال الإمام أحمد في رواية مهنا بن يحيى: إنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة فاعرف نفسك يا عبد الله واحذر أن تلقى الله عز وجل ولا قدر للإسلام عندك، فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك. وليس حظّ القلب العامر بمحبة الله وخشيته والرغبة فيه وإجلاله وتعظيمه من الصلاة كحظ القلب الخالي الخراب من ذلك، فإذا وقف الاثنان بين يدي الله في الصلاة وقف هذا بقلب مُخبِتٍ خاشع له قريب منه، سليم من معارضات السوء، قد امتلأت أرجاؤه بالهيبة، وسطع فيه نور الإيمان، وكُشف عنه حجاب النفس ودخان الشهوات، فيرتع في رياض معاني القرآن، وخالط قلبه بشاشة الإيمان بحقائق الأسماء والصفات وعُلُوِّها وجمالها وكمالها الأعظم، وتَفَرُّدِ الربّ سبحانه بنعوت جلاله وصفات كماله فاجتمع همّه على الله، وقرت عينه به، وأحسن بقربه من الله قربا لا نظير له، ففرغ قلبه له وأقبل عليه بكليته.


الصلاة وأحكام تاركها (ص: 140)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله