ومن تدبر أغذيته صلى الله عليه وسلم وما كان يأكله، وجده لم يجمع قط بين لبن وسمك، ولا بين لبن وحامض، ولا بين غذاءين حارين، ولا باردين، ولا لزجين، ولا قابضين، ولا مسهلين، ولا غليظين، ولا مرخيين، ولا مستحيلين إلى خلط واحد، ولا بين مختلفين كقابض ومسهل، وسريع الهضم وبطيئه، ولا بين شوي وطبيخ، ولا بين طري وقديد، ولا بين لبن وبيض، ولا بين لحم ولبن، ولم يكن يأكل طعاما في وقت شدة حرارته، ولا طبيخا بائتا يسخن له بالغد، ولا شيئا من الأطعمة العفنة والمالحة، كالكوامخ والمخللات، والملوحات، وكل هذه الأنواع ضار مولد لأنواع من الخروج عن الصحة والاعتدال.
وكان يُصلح ضرر بعض الأغذية ببعض إذا وجد إليه سبيلا، فيكسر حرارة هذا ببرودة هذا، ويبوسة هذا برطوبة هذا، كما فعل في القثاء والرطب، وكما كان يأكل التمر بالسمن، وهو الحيس، ويشرب نقيع التمر يلطف به كيموسات الأغذية الشديدة.
وكان يأمر بالعشاء، ولو بكف من تمر، ويقول: "ترك العشاء مهرمة" ذكره الترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه.
وذكر أبو نعيم عنه أنه: كان ينهى عن النوم على الأكل، ويذكر أنه يقسي القلب، ولهذا في وصايا الأطباء لمن أراد حفظ الصحة أن يمشي بعد العشاء خطوات ولو مائة خطوة، ولا ينام عقبه، فإنه مضر جدا، وقال مسلموهم: أو يصلي عقيبه ليستقر الغذاء بقعر المعدة، فيسهل هضمه، ويجود بذلك.
ولم يكن من هديه أن يشرب على طعامه فيفسده، ولا سيما إن كان الماء حارا أو باردا، فإنه رديء جدا. قال الشاعر:
لا تكن عند أكل سخن وبرد ... ودخول الحمام تشرب ماء
فإذا ما اجتنبت ذلك حقا ... لم تخف ما حييت في الجوف داء
ويكره شرب الماء عقيب الرياضة، والتعب، وعقيب الجماع، وعقيب الطعام وقبله، وعقيب أكل الفاكهة، وإن كان الشرب عقيب بعضها أسهل من بعض، وعقب الحمام، وعند الانتباه من النوم، فهذا كله مناف لحفظ الصحة، ولا اعتبار بالعوائد، فإنها طبائع ثوان.
زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 205)