ولم يكن من هديه وسنته صلى الله عليه وسلم الصلاة على كل ميت غائب.
فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غُيّب، فلم يُصلِّ عليهم، وصح عنه: "أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت"، فاختلف الناس في ذلك على ثلاثة طرق: أحدها: أن هذا تشريع منه، وسنة للأمة الصلاة على كل غائب، وهذا قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وقال أبو حنيفة، ومالك: هذا خاص به، وليس ذلك لغيره، قال أصحابهما: ومن الجائز أن يكون رفع له سريره، فصلى عليه وهو يرى صلاته على الحاضر المشاهد، وإن كان على مسافة من البعد، والصحابة وإن لم يروه، فهم تابعون للنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة. قالوا: ويدل على هذا، أنه لم ينقل عنه أنه كان يصلي على كل الغائبين غيره، وتركه سنة، كما أن فعله سنة، ولا سبيل لأحد بعده إلى أن يعاين سرير الميت من المسافة البعيدة، ويرفع له حتى يصلي عليه، فعلم أن ذلك مخصوص به. وقد روي عنه أنه صلى على معاوية بن معاوية الليثي وهو غائب، ولكن لا يصح، فإن في إسناده العلاء بن زيد، ويقال ابن زيدل، قال علي بن المديني: كان يضع الحديث، ورواه محبوب بن هلال، عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس. قال البخاري: لا يتابع عليه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يُصلّ عليه فيه، صلي عليه صلاة الغائب، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي، لأنه مات بين الكفار ولم يصل عليه، وإن صُلي عليه حيث مات، لم يصل عليه صلاة الغائب؛ لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغائب، وتركه، وفعله وتركه سنة، وهذا له موضع، وهذا له موضع، والله أعلم، والأقوال ثلاثة في مذهب أحمد، وأصحها: هذا التفصيل، والمشهور عند أصحابه: الصلاة عليه مطلقا.
زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 500)