القُدُّوس المُنزّه من كل شر ونقص وعيب، كما قال أهل التفسير: هو الطاهر من كل عيب المنزّه عما لا يليق به، وهذا قول أهل اللغة.
وأصل الكلمة من الطهارة والنزاهة، ومنه بيت المقدس؛ لأنه مكان يُتَطَهّر فيه من الذنوب ومن أمَّه لا يريد إلا الصلاة فيه رجع من خطيئته كيوم ولدته أُمُّه، ومنه سميت الجنة حظيرة القدس لطهارتها من آفات الدنيا، ومنه سُمِّيَ جبريل روح القدس؛ لأنه طاهر من كل عيب.
ومنه قول الملائكة: (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) [البقرة: 30] فقيل: المعنى ونقدس أنفسنا لك، فعدّى باللام، وهذا ليس شيء، والصواب: أن المعنى نقدسك وننزهك عما لا يليق بك. هذا قول جمهور أهل التفسير.
وقال ابن جرير: "ونقدس لك: ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس ومما أضاف إليك أهل الكفر بك" قال وقال بعضهم: "نعظمك ونمجدك" قاله أبو صالح، وقال مجاهد: "نعظمك ونكبرك" انتهى وقال بعضهم: ننزهك عن السوء فلا ننسبه إليك، واللام فيه على حَدّها في قوله: (رَدِفَ لَكُمْ) لأن المعنى: تنزيه الله لا تنزيه نفوسهم لأجله. قلت: ولهذا قرن هذا اللفظ بقولهم (نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) فإن التسبيح تنزيه الله سبحانه عن كل سوء، قال ميمون بن مهران: "سبحان الله كلمة يُعظّم بها الرب ويُحاشى بها من السوء" وقال ابن عباس: "هي تنزيه لله من كل سوء" وأصل اللفظة من المباعدة من قولهم سبحت في الأرض إذا تباعدت فيها، ومنه (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء: 33] فمن أثنى على الله ونزّهه عن السوء فقد سبّحه، ويُقال سبح الله وسبح له وقدسه وقدس له.
شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (ص: 179)