مختصر اختيارات ابن القيم في باب الحدود

 


د. علي بن جريد العنزي

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله البر الرحيم ، الغفور الشكور، والصلاة والسلام على السراج المنير، والهادي البشير، وعلى أزواجه الأطهار وأصحابه الأخيار وعلى التابعين وسائر الأبرار.

أمـا بعد:

فلما كان الامام العلامة ابن القيم -نور الله ضريحه- من الأئمة الأعلام، والهداة الأبرار، أحببت تقريب فقهه، وتيسير آرائه في باب الحدود لمسيس الحاجة إليه، ولكونه يخدم طلاب العلم عامة والقضاة منهم خاص، فكان هذا البحث، وقد جمعته كاملا من كتاب "الحدود والتعزيرات عند ابن القيم" لمؤلفه العلامة والأديب الفهامة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد عامله الله بلطفه الخفي، ومعلوم أن الشيخ جمع اختيارات الإمام ابن القيم، فاستوعبها، وعدها فاستقصاها، ولم يفته منها شيء -إن شاء الله تعالى- فعمدت إلى تقريب تلك الاختيارات؛ ليسهل أخذها، ويقرب تناولها، ويذلل فهمها.

ولم أجعله مجرد اختيارات، بل أضفت إليه بعض الفوائد، وعلقت عليه نزراً طيباً من الجمل والمسائل.

والله المسئول أن يتولانا بلطفه، ويعاملنا بإحسانه، ويمن علينا بمغفرته ورضوانه، وأن يقينا سخطه ونيرانه.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى سائر أصحابه وأزواجه وإخوانه.

رقمه

د. علي بن جريد العنزي

عضو هيئة التدريس في جامعة الحدود الشمالية

 

بسم الله الرحمن الرحيم،، ربِّ يسّر وأعِن يا كريم


كتاب الحدود

من باشر ما يوجب حدا في دار الحرب، لم يسقط الحد عنه بالكلية، وإنما يؤخر حتى يقفل من دار الحرب إلى دار الإسلام، إلا إن كان له من الحسنات والنكاية بالعدو ما يغمر سيئته(1).

وإذا عرض للمحدود عارض يمنع إقامة الحد عليه أخر عنه الحد(2).

والحكم بالقرائن الظاهرة وشواهد الأحوال في حقوق الله تعالى وحقوق عباده أولى من الحكم بالشهادة.

والحدود لا تسقط بالتوبة بعد القدرة اتفاقا.

وأما قبل القدرة فإن تاب المحارب سقط عنه الحد بالاتفاق.

وأما غير المحارب، فالصحيح سقوط الحد بالتوبة عنه قبل القدرة عليه(3).

ويحرم أن تأخذ المسلم رأفة ورحمة على من أقيم عليه الحد بحيث تمنع من إقامة الحد.

 

باب حد الزنى

يشترط لرجم الزاني أن يكون عقد على حرة ودخل بها، ولا يشترط الاسلام للإحصان(4).

وعقوبة الزاني المحصن الرجم فقط(5).

ومن وطئ جارية امرأته بإذنها جلد مائة جلدة تعزيراً. وإن لم تكن زوجته أحلتها له، فإنه زان حكمه حكم الزاني(6).

ومن زنى بذات محرم قتل سواء كان محصنا أو غير محصن.

ويقام الحد على من بان حملها ولا زوج لها ولا سيد، وهذا من باب الحكم بالقرائن الظاهرة(7).

فمن أقرا بالزنى أو قامت بينة بأن يشهد عليه أربعة أو اجتمع الأمران أقيم عليه الحد(8) .

 

في عقوبة اللواط

الصحابة رضي الله عنهم متفقون على قتل اللوطي، وإنما اختلفوا في كيفية قتله، ولا نزاع بينهم فيه إلا في إلحاقه بالزاني أو قتله مطلقاً.

والصحيح أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزاني لإجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، وغلظ صورته، وانتشار فساده(9).

 

باب حد القذف

إذا قذف الحر العبد لم يقم عليه الحد(10).

ويثبت حد القذف بالتعريض(11).

وتوبة القاذف تكون بإكذابه نفسه(12).

 

باب حد شارب الخمر

قد حدَّ صاحب الشرع الخمر بحد يتناول كل فرد من أفراد المسكر، فقال: "كل مسكر خمر"(13).

والسكر لذة ونشوة يغيب معها العقل الذي يحصل به التمييز فلا يعلم صاحبه ما يقول، قال تعالى(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) النساء: ٤٣ فجعل الغاية التي يزول بها حكم السكر أن يعلم ما يقول.

وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر تتخذ خلا؟ فقال: "لا" .رواه مسلم(14)، وذلك :لئلا تفضي مقاربتها بوجه من الوجوه إلى إمساكها لشربها.

وحرم الشارع القطرة من الخمر(15)،وإن لم تحصل بها مفسدة كثير؛ لكونها ذريعة إلى شرب كثيرها.

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شرب العصير بعد ثلاث(16) حسماً لماده قربان المسكر.

ومن تأمل الأحاديث رآها تدل على أن الأربعين حد، والأربعين الزائدة عليها تعزير، وقد اتفق عليه الصحابة(17)- رضي الله عنهم-.


والذي يقتضيه الدليل فيمن شرب الخمر في الرابعة أن الأمر بقتله ليس حتما ، ولكنه تعزير بحسب المصلحة(18).

ويقام الحد على من وجد منه رائحة الخمر(19).

وبه حكم عمر وابن مسعود(20)رضي الله عنهما، ولا يعرف لها مخالف من الصحابة(21).

 

باب حد السرقة

يشترط لإقامة الحد أن يكون المسروق من حرز كالبيدر للثمار، وكالرجل حرز لثيابه وفراشه، وكالمسجد حرز لما يعتاد وضعة فيه.

ولا يشترط في المال أن لا يكون مما يسرع إليه الفساد.

ولا يقطع في أقل من ثلاثة دراهم أو ربع دينار، ولا إذا لم يطالب صاحب المال بماله.

ولا قطع في عام مجاعة وشدة، ولا على من سرق من شيء له فيه حق.

ولابد من الإقرار بالسرقة مرتين.

ويقطع جاحد العادية(22).

ووجود المسروق في حوزة المتهم يوجب القطع(23).

وتقبل توبة السارق قبل القدرة عليه.

وأجمعوا على أن من شرط صحة توبته: أداءها لربها إذا كانت موجودة بعينها، وأما إذا كانت تالفة فهل يضمنها؟

توسط فقهاء المدينة مالك وغيره فقالوا :إن كان له مال ضمنها بعد القطع، وإن لم يكن له مال فلاضمان عليه.

وهذا استثناء حسن جدا،وما أقربه من محاسن الشرع وأولاه بالقبول.


حد الردة

أجمع المسلمون على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتد وعقوبته القتل. وأجمعوا على كفر قاذف عائشة رضي الله عنها.

والهازل هو الذي يتكلم بالكلام من غير قصد لموجبه وحقيقته بل على وجه اللعب، وهو كالجاد.

ولا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز الإذن في التكلم بكلمة الكفر لغرض من الأغراض إلا المكره إذا اطمأن قلبه بالإيمان(24).

والزنديق لا تقبل توبته إلا أنه إذا ظهر منه قبل رفعه للسلطان من الأقوال والأعمال ما يدل على حسن الاسلام والتوبة النصوح لم يقتل(25).

 

باب التعزير

ليس لأقله حد مقدر، وأما أكثره، فقد اختلف قوله في ذلك، فقال:

إنه لا يبلغ في التعزير في معصية قدر الحد فيها، فلا يبلغ بالتعزير على النظر والمباشرة حد الزنى، ولا على السرقة من غير حرز حد القطع.

ورجح في غير موضوع من كتبه أنه يرجع فيها إلى المصلحة(26).

 

أنواع التعزيرات(27)

يسوغ التعزير بالقتل إذا لم تندفع المفسدة إلا به، مثل قتل المفرق لجماعة المسلمين، والداعي الى غير كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (28).

وأما النوع الثاني غير مقدر: فهو الذي يدخله اجتهاد الأئمة بحسب المصالح، ولذلك لم تأذن به الشريعة بأمر عام لا يزاد فيه ولا ينقص كالحدود.

 


(1) ولذا لم يؤاخذ النبي صلى الله عليه وسلم خالد بما صنع ببني جذيمة لحسن بلائه.


(2) كأن تحمل الزانية، والدليل قصة الغامدية لما زنت، وهي مخرجة عند مسلم (1695) من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه، وقصة الجهنية، عند مسلم(1696) من حديث عمران.

(3) حمل ابن القيم ~ حديث أنس عند البخاري (6823) ومسلم(2764) قال :كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ،فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إن أصبت حدا فأقمه، ولم يسأله، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم، قام إليه رجل فقال: إني أصبت حدا، فأقمه علي، فقال: أليس قد صليت معنا، قال :فإن الله عز وجل قد غفر لك ذنبك" على ماذا تاب ويؤيد هذا أنه جاء في رواية وسندها على شرط البخاري من حديث أنس قال :أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني زنيت، فأقم علي الحد. وحمل بعض العلماء هذا الحديث على ما أذا أقر بذنب ولم يفسره.

(4) بدليل رجم النبي صلى الله عليه وسلم لليهودية وهو عند البخاري(3635) ومسلم (1699) من حديث ابن عمر، وعليه؛ فمن نكح ذمية وهو مسلم ثم زنى رجم.

(5) ورأى أن حديث عبادة منسوخ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ما عزاً، ولم يجلده، وهو أمر مشتهر، فلو فعله النبي صلى الله عليه وسلم لنقل، فمثله تتوفر الهمم والدواعي على نقله، وهو متأخر عن حديث عبادة، فكان له ناسخاً.

(6) واستدل بحديث النعمان أن رجلاً يقال له: عبدالرحمن بن حنين، وقع على جارية امرأته، فرفع الى النعمان بن بشير صلى الله عليه وسلم وهو أمير على الكوفة، فقال :لأقضين فيك بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم:إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة جلدة ، وإن لم تكن أحلتها رجمتك بالحجارة ،فوجوده أحلتها له، فجلدة مائة جلدة.

أخرجه أحمد(4/275)، وأبو داود(4458) والنسائي(3361) والترمذي(1517)

وقد حسن إسناده ابن القيم، وبين موافقته للقياس بقوله:

"القياس وقواعد الشريعة يقتضي القول بموجب هذه الحكومة، فإن إحلال الزوجة شبهة توجب سقوط الحد، ولا تسقط التعزير، فكانت المائة تعزيراً، فإذا لم تكن أحلتها له كان زنا لا شبهة فيه، ففيه الرجم".

(7) قال الشيخ بكر أبو زيد في كتاب الحدود ص148:

"وينبغي أن يعلم أن هذا القول ليس على اطلاقه عن من حكاه -ابن القيم- عنهم بل هو مقيد بأمرين:

الأول: أن لا يكون من ظهر بها الحمل – زات زوج ولا سيد.

الثاني: أن لا تذكر شبهة موجبة لدرء الحد،كدعوى أنها مكرهة بأمارة ظاهرة، كأن تأتي-مثلا- تدمي مستغيثة عند نزول الأمر بها.

فإذا تحقق هذان القيدان كان الحبل حينئذ قرينة ظاهرة موجبة لإقامة حد – على هذا القول

وينبغي أن يخرج اختيار ابن القيم على هذا؛ لأنه ذكر اختياره مذهباً لأولئك ،ومذهبهم متقيد بذلك، والله أعلم) أ.هـ.

(8) قال بعض الفقهاء: إذا شهد عليه أربعة، ثم هو أقر مرة واحده لم يحد؛ لأن البينة لا يعمل بها الإقرار، والإقرار يشترط فيه أن يكون أربعاً، ورده ابن القيم بقوله ((ومن العجب أن لو يشهد عليه أربعة بالزنى، فكذب الشهود حد وان صدقهم سقط عنه الحد)).

(9) ولم يجزم رحمه الله باختيار صفة معينة لقتله. والعلم عند الله.

(10) قال ابن القيم رحمه الله تعالى كما في (ص211) من كتاب الحدود: " وأما جلد قاذف الحر دون العبد فتفريق لشرعه بين ما فرق الله بينها بقدره، فما جعل الله سبحانه العبد كالحر من كل وجه لا قدرا ولا شرعا... وأما التسوية بينهما في أحكام الثواب والعقاب، فذلك موجب العدل والاحسان ،فإنه يوم الجزاء لا يبقى هناك عبد ولا حر ولا مالك ولا مملوك".

(11) قال الشيخ بكر أبو زيد في كتاب الحدود(ص223):

"وهل هو يرى وجوب الحد بالتعريض بالقذف مطلقاً؟ أم بالتعريض الذي يفهم منه معنى القذف معنى واضحاً للقرائن التي تحتف به؟

والذي يظهر بعد تأمل لكلام ابن القيم هو الثاني".

(12) ذكر ابن القيم القول الآخر في صفة توبة القاذف وهو أن يستغفر الله، ورده بأن هذا الذنب فيه حقان: حق لله، وهو تحريم القذف، فتوبته باستغفاره.

وحق للعبد، وهو إلحاق العار به، فتوبته بإكذاب نفسه.

وهذا مذهب عمر.

فائدة: إذا رأي القاذف من رماه بالزنا حقا فكيف يكذب نفسه؟

قال ابن القيم كما في الحدود (ص245):

الكذب نوعان:1-الخبر غير المطابق لمخبره، وهو نوعان كذب عمد. وكذب خطأ. 2- والخبر الذي لا يجوز الاخبار به، وإن كان خبره مطابقا لمخبره كخبر القاذف المنفرد برؤية الزنا، فإنه كاذب في حكم الله وإن كان خبره مطابقا للواقع، ولهذا قال سبحانه: "فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون".

(13) أخرجه البخاري(4343) ومسلم (1733) من حديث أبي موسى، ومسلم (2003) من حديث ابن عمر.

(14) برقم(1983).

(15) أخرجه أحمد(3/343) وأبو داود (3681) والترمذي(1973) من حديث جابر.

(16) أخرجه مسلم(2004) من حديث ابن عباس

(17) وأما قول علي في شارب الخمر: لو مات وديته فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه" المراد بذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقدر فيه بقوله تقديرا لا يزاد عليه ولا ينقص منه كسائر المحدود، وإلا فعلي شهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب فيه أربعين.

(18) قال: فإذا أكثر الناس من الخمر، ولم ينزجروا بالحد فرأى الإمام أن يقتل فيه قتل، ولهذا كان عمر- رضي الله عنه - ينفي مرة، ويحلق فيه الرأس مرة ".

(19) وكذا لو تقيء الخمر. وهذا اعتماد على القرينة الظاهرة.

(20) أخرجه عبد الرزاق (9/231)، ولفظه:

عن علقمة قال: كان عبد الله بن مسعود بالشام، فقالوا: إقرأ علينا، فقرأ سورة يوسف، فقال رجل من القوم: ما هكذا أنزلت، فقال عبد الله: ويحك، والله لقد قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: أحسنت، فبينا هو يراجعه، وجد منه ريح خمر، فقال عبد الله: أتشرب الرجس، وتكذب بالقرآن، لا أقوم حتى تجلد الحد، فجلد الحد.

(21) أثبت ابن حجر ~ أن عمر لم يقم الحد لأجل الرائحة فقط، وإنما أقامه لاعتراف شارب الخمر بذلك وهو عبيد الله ابنه، والذي أوقع ابن القيم في ذلك اللفظ المختصر.وأما اللفظ التام فهو ما رواه عبدالرزاق (9/228) عن السائب بن يزيد قال: شهدت عمر بن الخطاب صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم أقبل علينا ، فقال :اني وجدت من عبيدا لله ريح الشراب، وإني سألته عنها ،فزعم أنها الطلاء .وإني سائل عن الشراب الذي شرب، فإن كان مسكرا جلدته، قال: فشهدته بعد ذلك بجلدة".

وأما ابن مسعود فمحمول على أنه أخذ الرجل لما وجد منه رائحة الخمر، فاعترف، فأقام عليه الحد، فهذا احتمال وارد، وبه يسقط الاستدلال.

ثم إنه صلى الله عليه وسلم خولف، خالفه علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم، فأنكر عليه الجلد لأجل الرائحة.

هذا ملخص مناقشة الشيخ العلامة بكر لابن القيم في كتابه :"الحدود"(ص333-336).

(22) لأنه سارق لغة وشرعاً، ودليل ذلك: أنه جاء في حديث المخزومية: أنها سرقت، كما عند البخاري والنسائي، وجاء في بعض الروايات: "كانت تستعير المتاع فتجحده" فهذا يدل على أن جاحد العارية يطلق عليه سارقاً.

وقد استبعد ابن حجر في الفتح(12/92) اطلاق لفظ السارق لغة على جاحد العارية. وأما اختلاف الروايات فهو من قبيل الرواة كما أوردها الحافظ النسائي في سننه.

(23) وذكر أنه لم يزل الأئمة والخلفاء يحكمون بالقطع، وذكر أن مثل هذا -وجود المسروق في حوزة المتهم- نص صريح لا يتطرق إليه شبهة، والدليل قوله في سورة يوسف (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ) يوسف:٧٣.

(24) المكره قد أتى باللفظ المقتضي للحكم، ولم يثبت عليه حكمه؛ لكونه غير قاصد له، وإنما قصد رفع الأذى عن نفسه، فانتقى الحكم لانتفاء قصده وارادته لموجب اللفظ.

(25) من الأدلة على ذلك:

- أنه لا سبيل إلى العلم بتوبة الزنديق، فقد علم أنه لم يزل مظهرا للإسلام، فلم يتجدد له بإسلامه الثاني حال مخالفة لما كان عليه، بخلاف الكافر الأصلي.

- أن من سب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد حارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وسعى في الأرض فساداً، فجزاؤه القتل حداً.

والحدود لا تسقط بالتوبة بعد القدرة اتفاقاً.

- أن الظاهر يعمل به إذا لم يكن مُعارض بأقوى منه، فالكافر الأصلي اذا أسلم ظهر منه ما يحقن دمه ولم يعارض، فيعمل به، أما الزنديق فإنه قد أظهر ما يبيح دمه، فإظهاره للتوبة والإسلام بعد القدرة عليه لا يدل على زوال ذلك الكفر المبيح لدمه".

(26) وحمل ابن القيم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله" أخرجه البخاري (6850) من حديث أبي بردة الأنصاري، حمله على التأديب الصادر من غير الولاة في غير معصية، كتأديب الأب ولده ونحو ذلك،إذا المراد بحدود الله في الحديث "حقوق الله".

(27)قال الشيخ بكر أبو زيد في الحدود(ص484):

يتخرج على اختيار ابن القيم ~ المتقدم: من أنه لاحد لأكثر التعزير أن التعزيز بالجلد عنده لاحد لأكثره.

(28) وقد استدل ابن القيم ~ لما ذهب إليه بما يلي:

أ‌- قتل شارب الخمر بعد الرابعة.

ب‌- قتل الجاسوس المسلم. وفيه حديث حاطب وقد استأذن عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقتله، فمنع معللا بعلة منتفية في غيره.

ج –قتل من أتهم بأم ولده (ماريه القبطية)، فقد روى ابن أبي خيثمة عن أنس ان ابن عم مارية كان يتهم بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم: اذهب فإن وجدته عند مارية فاضرب عنقه، فوجده في بركة يتبرد فيها.

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله