طلب الإمامة في الدين

 وقد أثنى الله سبحانه على عباده المؤمنين الذين يسألونه أن يجعلهم أئمة يُهتَدَى بهم، فقال تعالى في صفات عباده: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74]، قال ابن عباس: يُهتَدَى بنا في الخير. وقال أبو صالح: يُقتَدَى بهدانا. وقال مكحول: أئمةً في التقوى، يَقَتَدِي بنَا المتقون.

وقال مجاهد: "اجعلنا مؤتَمِّينَ بالمتَّقين، مقتدين بهم". وأَشكل هذا التفسير على من لم يعرف قدر فهم السلف وعمق علمهم، وقال: يجب أن تكون الآية على هذا القول من باب المقلوب، على تقدير: واجعل المتقين لنا أئمَّة، ومعاذ الله أن يكون شيء من القرآن مقلوب عن وجهه، وهذا من تمام فهم مجاهد -رحمه الله-؛ فإنه لا يكون الرجل إمامًا للمتقين حتى يأتمَّ بالمتقين، فنبَّه مجاهد على هذا الوجه الذي ينالون به هذا المطلوب، وهو اقتداؤهم بالسلف المتقين من قبلهم فيجعلهم الله أئمة للمقين من بعدهم، وهذا من أحسن الفهم في القرآن وألطفه، ليس من باب القلب في شيء. فمن ائتمَّ بأهل السُّنة قبله؛ ائتمَّ به من بعده ومن معه.


رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه - ط عطاءات العلم (1/ 10 - 13)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله