فصْلٌ
وههنا أصلٌ آخر، وهو: أنَّه لا يلزم مِن قيام شُعبةٍ من شُعب الإيمان بالعبد أنْ يُسمَّى مؤمنًا، وإنْ كان ما قام به إيمانًا، ولا من قيام شُعبةٍ من شُعب الكفر به أنْ يُسمَّى كافرًا، وإنْ كان ما قام به كفرًا.
كما أنَّه لا يلزم من قيام جزءٍ من أجزاء العلم به أنْ يُسمَّى عالمًا، ولا مِنْ معرفته بعضَ مسائل الفقه والطِّب أنْ يُسمَّى فقهيًا ولا طبيبًا.
ولا يمتنع ذلك؛ أنْ تُسمَّى شُعبة الإيمان إيمانًا، وشُعبة النِّفاق نفاقًا، وشُعبة الكفر كفرًا. وقد يطلق عليه الفعل؛ كقوله: "فمن تركها فقد كفر"، وقوله: "من أتى كاهنًا فصدَّقَه بما يقول فقد كفر، ومن حَلَف بغير الله فقد كفر". رواه الحاكم في "صحيحه" بهذا اللَّفظ.
فمَنْ صَدَر منه خُلَّةٌ من خِلال الكفر فلا يستحقُّ اسم كافرٍ على الإطلاق. وكذا يقال لمن ارتكب محرَّمًا: إنَّه فعل فُسُوقًا، وإنَّه فسق بذلك المحرَّم، ولا يلزمه اسم فاسقٍ، إلَّا بغلبة ذلك عليه.
وهكذا الزَّاني، والسَّارق، والشَّارب، والمنتهب، لا يُسمَّى مؤمنًا، وإنْ كان معه إيمانٌ. كما أنَّه لا يُسمَّى كافِرًا، وإنْ كان ما أتى به من خصال الكفر وشعبه؛ إذْ المعاصي كلُّها من شعب الكفر، كما أنَّ الطاعات كلَّها من شعب الإيمان.
والمقصودُ: أنَّ سلْبَ اسم الإيمان عن تارك الصَّلاة أولى من سلْبِه عن مرتكب الكبائر، وسلْب اسم الإسلام عنه أولى من سلْبِه عمَّن لم يسلَم المسلمون من لسانه ويده. فلا يُسمَّى تارك الصَّلاة مسلمًا ولا مؤمنًا، وإنْ كان معه شُعْبة من شعب الإسلام والإيمان.
يبقى أنْ يقال: فهل ينفعه ما معه من الإيمان في عدم الخلود في النَّار؟ فيُقال: ينفعه إنْ لم يكن المتروك شرطًا في صحَّة الباقي واعتباره، وإنْ كان المتروك شرطًا في اعتبار الباقي لم ينفعه؛ ولهذا لا ينفع الإيمان بالله ووحدانيته، وأنَّه لا إله إلَّا هو مَنْ أنكر رسالة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، ولا تنفع الصَّلاة مَنْ صلَّاها عمدًا بغير وضوء.
فشعب الإيمان قد يتعلَّق بعضها ببعضٍ؛ تعلُّق المشروط بشَرْطِه، وقد لا يكون كذلك. فيبقى النَّظر في الصلاة، هل هي شرطٌ لصحَّة الإيمان؟ هذا سِرُّ المسألة.
الصلاة (ص: 101 - 104)