وذكر عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لأبيه عن محمَّد بن سيرين: أنّه لمّا ركبه الدَّينُ اغتمّ لذلك، فقال: إنّي لأعرفُ هذا الغمَّ بذنب أصبتُه منذ أربعين سنة!
وها هنا نكتة دقيقة يغلط فيها الناس في أمر الذنب، وهي أنّهم لا يرون تأثيرَه في الحال، وقد يتأخّر تأثيره فيُنسَى، ويظنّ العبد أنه لا يغبِّر بعد ذلك، وأنّ الأمر كما قال القائل:
إذا لم يغبِّرْ حائطٌ في وقوعه … فليس له بعد الوقوع غبارُ
وسبحان الله! ماذا أهلكت هذه البليّة من الخلق! وكم أزالت من نعمة! وكم جلبت من نقمة!
وما أكثر المغترّين بها من العلماء، فضلًا عن الجهال! ولم يعلم المغترّ أنّ الذنب ينقُض، ولو بعد حين، كما ينقُض السمّ، وكما ينقُض الجرح المندمل على الغِشّ والدَّغَل.
وقد ذكر الإِمام أحمد عن أبي الدرداء: اعبدوا الله كأنكم ترونه، وعُدُّوا أنفسَكم في الموتى، واعلموا أنّ قليلًا يُغنيكم خير من كثير يُلهيكم. واعلموا أنّ البِرَّ لا يبلى، وأنّ الإثم لا يُنسى.
ونظر بعض العُبّاد إلى صبيّ، فتأمل محاسنَه، فأُتيَ في منامه، وقيل له: لَتجِدَنَّ غِبَّها بعد أربعين سنة.
هذا، مع أنّ للذنب نقدًا معجَّلًا لا يتأخر عنه. قال سليمان التَّيمي: إنّ الرجل لَيصيبُ الذنبَ في السرّ، فيصبح وعليه مذلّته.
وقال يحيى بن معاذ الرازي: عجبتُ من ذي عقل يقول في دعائه: اللهم لا تُشْمِتْ بي الأعداءَ، ثم هو يُشْمِتُ بنفسه كلَّ عدو له! قيل: وكيف ذلك؟ قال: يعصي الله فيُشْمِتُ به في القيامة كلَّ عدوّ.
الداء والدواء (ص: 130 - 131)