المعطلة على خلاف طريقة الرسل في باب الأسماء والصفات

الوجه السبعون: أن ‌العقل ‌الذي ‌عارض ‌به ‌هؤلاء السمع هو النفي، والذي دلَّ عليه السمع هو الإثبات. فإن السمع دلَّ على إثبات الصِّفات، والكلام والتكليم، وعلو الربِّ على خلقه، واستوائه على عرشه، ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا، ومجيئه وإتيانه، وإثبات وجهه الأعلى، ويديه اللتين كلتاهما يمينٌ، وغير ذلك؛ والعقل عندهم دلَّ على نفي ذلك كله. فالمعارضة التي ادَّعوها هي معارضة بين النفي والإثبات، فالرُّسل جاؤوا بالإثبات المفصَّل للأسماء والصفات والأفعال، فجاء أرباب هذا العقل بالنفي المفصَّل لها، وادَّعوا التعارض بين دليل هذا الإثبات ودليل النفي، ثم قدَّموا دليل النفي.

فيقال: الكلام معكم في مقامين:

أحدهما: أن العقل لم يدلَّ على ثبوتها.

والثَّاني: أنه دلَّ على انتفائها.

فإن أردتم بدلالة العقل المقام الأول، فنفيها خطأٌ، فإنه لو نُفي كل ما لم يدلَّ عليه عقلٌ أو حسٌّ نُفيت أكثر الموجودات التي لا ندركها بعقولنا ولا حواسنا، وهذا هو حاصل ما عند القوم عند التحقيق. ومَن تدبَّر أدلتهم حقَّ التدبُّر علم أنه ليس فيها دليلٌ واحدٌ يدل على النفي، ومعلوم أن الشيء لا ينتفي لانتفاء دليلٍ يدل عليه، وإن انتفى العلم به، فنفي العلم لا يستلزم نفي المعلوم، فكيف والعقل الصريح قد دلَّ على ثبوتها، كما نبَّهنا عليه، وسنذكره.

وإن أردتم الثَّاني ـ وهو أن العقل [دل على انتفائها] ـ فيقال: العقل إنما يدل على نفي الشيء إذا علم ثبوت نقيضه، فيُعلم حينئذٍ أن النقيض الآخر منتفٍ. فأين في العقل المقطوع بحكمه أو المظنون ما يدل على نقيض ما أخبرت به الرُّسل بوجهٍ من وجوه الأدلة الصحيحة.

فالمسلمون يقولون: قد دلَّ العقل والوحي معًا على إثبات علم الربِّ تعالى آمرًا ناهيًا، وعلى كونه فوق العالم كله، وعلى كونه يفعل بقدرته ومشيئته، وعلى أنه يرضى ويغضب، ويُثيب ويُعاقب، ويُحب ويُبغض، فقد شهد بذلك العقل والنقل:

أمَّا النقل فلا يمكنكم المكابرة فيه.

وأمَّا العقل فلأن ذات الربِّ أكمل من كل ذاتٍ على الإطلاق، بل ليس الكمال المطلق التَّام من كل وجهٍ إلَّا له وحدَه، فيستحيل وصفه بما يضاد كماله، وكلُّ ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله فهو صفة كمالٍ، ثبوتها له أكمل من نفيها عنه. وقد اتفقت الأُمم على أن الله سبحانه موصوفٌ بالكمال منزَّهٌ عن أضداده، وإن تنازعوا في كون الصفة المعينة والفعل المعين كمالًا أو ليس بكمالٍ، والذين نفوه تخيلوا أن إثباته يستلزم النقص والحدوث، وأن الكمال في نفيه.

وإن كان كثيرٌ من طوائف بني آدم يستجيزون وصفه بالنقائص والعيوب مع علمهم بأنها عيوبٌ ونقائص.

كما صرَّحت به اليهود من قولهم: إنه فقير، وإنه تعب لمَّا خلق العالم، وأنه بكى على الطوفان حتى رمدت عيناه وعادته الملائكة، وإنه ندم على خلق آدم وذريته ندمًا عظيمًا حتى عض أنامله. ويقولون في صلاتهم: يا إلهنا انتبه من رقدتك، كم تنام؟! ونحو ذلك.

والنصارى لا يخفى على أحدٍ منهم أن نزوله عن عرشه ودخوله في رحم امرأةٍ، وإقامته هناك تسعة أشهر بين الحيض والبول، ثم خروجه طفلًا صغيرًا يرضع ويبكي، ويأكل ويشرب ويبول، وينام ويألم، ثم تمكُّن أعدائه منه وصفعه وتسمير يديه ورجليه، وصلبه بين نصبين وعلى رأسه تاج من الشوك = أن هذا غاية التنقص المنافي لكماله.

والاتحادية مصرِّحون بأنه موصوفٌ بكل صفةٍ مذمومةٍ عقلًا وعرفًا وشرعًا.

ومعلومٌ أن هذه النقائص هي التي دلَّ العقل الصريح واتفاق المرسلين من أولهم إلى آخرهم على نفيها عن الله وتنزيهه عنها، فمن جعل دلالته على نفي علمه، وسمعه، وبصره، وقوته، وقدرته، وحياته، وإرادته، وكلامه وتكليمه، وعلوه على عرشه، ووجهه الأعلى، ويديه، وغضبه ورضاه؛ كدلالته على نفي تلك العيوب والنقائص، وإثباتها له كإثبات تلك العيوب والنقائص، وأن العقل يوجب نفي هذا وهذا = فهو من أسخف النَّاس عقلًا، وأعظمهم جهلًا، وأفسدهم فطرة. وكان الذين وصفوه سبحانه بتلك العيوب والنقائص أقرب إلى العقل منه، فإنهم وصفوه بالكمال والنقص، وهؤلاء نزَّهوه عن الكمال، وهو يستلزم وصفه بالنقص فقط، ومعلوم أن ذاتًا موصوفة بالكمال والنقائص أكمل من ذاتٍ لا تُوصف بشيءٍ من الكمالات البتة، وتوصف بأضدادها. وأيضًا فإن تلك الذَّات يُمكن وجودها، وهذه الذَّات يمتنع وجودها.

والمقصود أنه قد دلَّ العقل مع السمع على إثبات ما يقول هؤلاء إن العقل عارضه، وغاية ما معهم أن عقولهم لم تدلَّ على إثباته، وقد بيَّنا أنه يستحيل دلالة العقل على نفيه، فإن العقل إنما يدلُّ على نفي ما علم ثبوت نقيضه بالعقل، والعقل لم يُعلم به ثبوت نقيض الصِّفات العُلى والأسماء الحُسنى، واستواء الربِّ على عرشه، وتكلمه، ورؤية أوليائه له في الآخرة عيانًا بالأبصار فوق رؤوسهم؛ حتى يكون نفي ذلك معلومًا بالعقل.

فإن قيل: نحن ما نفينا ذلك إلَّا لدلالة العقل على نفيه، فإنه لو كان فوق العرش، أو كان يُرى بالأبصار، أو كان مكلمًا متكلِّمًا، أو كان له وجهٌ ويدٌ وسمعٌ وبصرٌ؛ لزم أن يكون جسمًا، ويلزم من كونه جسمًا أن يكون مركبًا من الجواهر المفردة أو من المادة والصورة. وإن قلنا بتماثل الأجسام لزم أن يكون مماثلًا لكل جسمٍ، ويلزم من كونه مركبًا أن يكون مفتقرًا إلى أجزائه، وأجزاء المركب غيره، ويلزم من افتقاره إلى غيره أن يكون مخلوقًا مصنوعًا، فهذا الدليل العقلي الذي أوجب لنا أن ننفي ما نفيناه؛ لنثبت إلهيته وربوبيته وقِدمه، وأمَّا أنتم فلمَّا أثبتم له هذه الصِّفات لزمكم نفي قِدمه ونفي ربوبيته.

قيل: هذا الدليل هو الذي خرَّب دياركم، وقلع الإيمان بشروشه من قلوبكم، وسهَّل عليكم الإلحاد في أسماء الربِّ وصفاته وتعطيلَه عن كل كمالٍ وسلبه عنه، وهو في الحقيقة مستلزمٌ لجحد وجود الخالق سبحانه، وإنكار أن يكون للعالم صانعٌ على الحقيقة. ففررتم من إثبات الكمالات له سبحانه لظنكم أنها تستلزم افتقاره وحدوثه، فوقعتم في شرٍّ من ذلك وهو تعطيل العالم عن ربٍّ يدبره، فعطلتم الصَّانع عن كماله، وعطلتم العالم عن صانعه.

ولقد أقامت الدهرية والمعطلة أربعين شبهةً، التي ذكرتموها واحدة من تلك الأربعين، فقالوا: لو كان للعالم ربٌّ أو صانعٌ أو خالقٌ لكان إمَّا جسمًا وإمَّا عرضًا، ودليل هذا الحصر أنه إمَّا أن يكون قائمًا بنفسه، وهو الذي نعني بالجسم؛ وإمَّا أن يكون قائمًا بغيره؛ وهو الذي نعني بالعرض. فلا يجوز أن يكون عرضًا، لأنه لا يقوم بنفسه، فهو مفتقرٌ إلى محلٍّ يقوم به. ولا يجوز أن يكون جسمًا لما ذكرتم من الدليل المتقدم بعينه.

وكل ما تُجيبون به إخوانكم في الأصل عن هذه الشُّبهة فهو جواب أهل السمع والعقل لكم بعينه.

فإن قلتم: بل هو قائمٌ بنفسه، وليس بجسمٍ.

قال لكم أهل السمع والعقل: فقولوا هو فوق عرشه، موصوفٌ بصفات كماله، ونعوت جلاله، وحقائق أسمائه، وليس بجسمٍ.

فإن قلتم: هذا لا يُعقل.

قيل لكم: فكيف عقلتم ذاتًا قائمة بنفسها فاعلة لغيرها ليست بجسمٍ؟!

فإن قلتم: دلَّ الدليل على انتهاء الممكنات والمصنوعات إلى ذات هذا شأنها، فأثبتناها بالدليل.

قيل لكم: ودلَّ الدليل على انتهاء المخلوقات والمصنوعات إلى ذات موصوفةٍ بالصفات التي تُؤثر بها في المخلوقات ومقاديرها، وصفاتها وأشكالها وهيئاتها، وإعدامها بعد إيجادها، وإيجاد بدلٍ منها، ودلالتُه على ذاتٍ هذا شأنها أعظم من دلالته على ذاتٍ مجردةٍ لا فعل لها ولا صفة ولا قدرة ولا مشيئة ولا إرادة.

فإن قلتم: يلزم من ثبوت صفاتها حدوثها، ولا يلزم من تجردها عنها حدوثها.

قيل لكم: بل يلزم من تجردها عنها عدمها، وامتناع وجودها، فلو لزم من ثبوت صفاتها ما لزم كان خيرًا من جحدها ونفيها بالكلية. كيف وتلك اللوازم التي ركبتم بعضها على بعضٍ فيها من التلبيس والتدليس والإجمال اللفظي والاشتباه المعنوي، ما إذا كُشف أمره تبيَّن أنها زَغَلٌ ومحالٌ، وأشد شيءٍ منافاة للعقل والسمع، وكل مقدماتها دعاوٍ كاذبةٌ باطلةٌ بصريح العقل والسمع.

فلا يلزم من كونه فوق سماواته على عرشه، يسمع ويرى، ويأمر وينهى، ويتكلَّم ويُكلِّم؛ أن يكون مركبًا من جواهر فردة، ولا من مادة وصورة، ولا أن يكون مماثلًا لخلقه. فدعوى هذا اللزوم عين البَهت والكذب الصراح، بل العرش خلقٌ من خلقه، ولا يلزم من كونه فوق السماوات كلها أن يكون مركبًا من الجواهر المفردة، ولا من المادة والصورة، ولا مماثلًا لغيره من الأجسام. وكذلك جبريل مخلوق من مخلوقاته، وهو ذو قوةٍ وحياةٍ وسمعٍ وبصرٍ وأجنحةٍ، ويصعد وينزل، ويُرى بالأبصار؛ ولا يلزم من وصفه بذلك أن يكون مركبًا من الجواهر المفردة ولا من المادة والصورة، ولا أن يكون جسمه مماثلًا لأجسام الشياطين، فدعونا من هذا الفَشْر والهذيان والدعاوي الكاذبة.

والتفاوت الذي بين الله وخلقه أعظم من التفاوت الذي بين جسم العرش وجسم الثَّرَى والهواء والماء، وأعظم من التفاوت الذي بين أجسام الملائكة وأجسام الشياطين، والعاقل إذا أطلق على جسمٍ صفةً من صفاته وضدُّه من كل وجهٍ موصوف بتلك الصفة، لم يلزم من ذلك تماثلهما. فإذا أطلق على الرجيع ـ الذي قد بلغ غاية الخُبث ـ أنه جسمٌ قائمٌ بنفسه ذو رائحةٍ ولونٍ، وأطلق ذلك على المسك، لم يقل ذو حسٍّ سليمٍ ولا عقلٍ مستقيمٍ إنهما متماثلان. وأين التفاوت الذي بينهما من التفاوت الذي بين الله وخلقه، فكم تُلبِّسون، وكم تُدلِّسون وتُموهون!

فاشتراك الذَّاتين في معنًى من المعاني لا يستلزم تماثلهما عند أحدٍ من العقلاء، وإن المختلفات والمتضادات تشترك في أشياء متعددة، فمشاركة الماء للنار في مسمَّى الجسمية والحركة وإدراك الحس لهما لا يوجب تماثلهما.

وليس معكم دليلٌ واحدٌ صحيحٌ يدل على تركب الأجسام كما ذكرتم، فكيف ولو أقمتم الدليل على ذلك لم يلزم منه تركُّب خالق الأجسام وجواهرها وأعراضها ممَّا تركبت منه الأجسام بوجهٍ من الوجوه، سوى الدعوى الكاذبة، وهو أنه لو كان فوق عرشه أو موصوفًا بالصفات أو يُرى بالأبصار لزم أن يكون مركبًا.

وليس العجب من عقولٍ رضيت لنفسها بمثل هذا الهذيان حتى اعتقدَتْه غاية الغايات العقلية، ونهايات المعارف الإلهية والمباحث الحكمية، ثم قدَّمته على نصوص الوحي، فإن هذا في الأصل وضعُ من قصد معارضة الأنبياء ورد ما جاؤوا به؛ بل العجب من قوم صدَّقوا الأنبياء، وشهدوا أن الرَّسول حقٌّ، وجاءهم بالبينات، وعلموا أنه الصَّادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى} [النجم: 4] ثم ولج هذا الهذيان في آذانهم فسمعوه، ودخل إلى قلوبهم فقبلوه، وعظَّموا أصحابه، وسمَّوْهم المحققين، وقدَّموا أقوالهم على نصوص الوحي المبين، فضلًا عن تقديمه على كلام الصَّحابة والتَّابعين. ولقد أحسن القائل فيهم وإن قصد سواهم:

خَفَافِيشُ أَعْشَاهَا النَّهَارُ بِضَوْئِهِ … وَلَاءَمَهَا قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمُ

وهذه الحجة الدَّاحضة باطلةٌ من أكثر من سبعين وجهًا تُذكر في غير هذا الموضع. فلا يلزم من استوائه على عرشه، وثبوت صفات كماله، وتكلمه وتكليمه، ورؤيته بالأبصار؛ أن يكون جسمًا بالمعنى الذي اصطلحوا عليه. ولو لزم أن يكون جسمًا لم يلزم أن يكون مركبًا بالاعتبار الذي ذكروه. ولو لزم أن يكون مركبًا لم يلزم أن يكون مفتقرًا إلى مركبٍ ركَّبه، ولا محتاجًا إلى غيره بوجهٍ من الوجوه. ولو لزم أن يكون جسمًا مركبًا لم يلزم أن يكون مماثلًا للأجسام بوجهٍ من الوجوه.

فشيءٌ من ذلك غير لازمٍ لعلوه على عرشه وثبوت صفاته، لا عقلًا ولا سمعًا إلَّا بالدعاوى الكاذبة، حتى لو قُدِّر لزوم ذلك كله لكان التزامه أسهل من تعطيل علوِّه على عرشه، وتعطيل كلامه، وإبطال أمره ونهيه، وتعطيل صفاته وأفعاله، وجعله بمنزلة المعدوم الممتنع الذي لا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا له فعلٌ يقوم به، ولا صفة كمالٍ يتصف بها، فلا يسمع ولا يُبصر، ولا يعلم ولا يقدر، ولا يريد ولا يفعل شيئًا؛ فأي ذاتٍ من الذوات المخلوقة المتصفة بذلك فُرضت فهي أكمل من هذه الذَّات.

وقد تقدَّم أن الدليل العقلي الصحيح إنما دلَّ على انتهاء المخلوقات إلى خالقٍ واحدٍ قديمٍ غير مخلوقٍ ولا مصنوعٍ ولا محتاج إلى سواه بوجهٍ من الوجوه، وكل ما عداه محتاجٌ إليه من جميع الوجوه؛ ولم يدل على أن هذا الواحد سبحانه معطلٌ عن الأفعال والصفات وحقائق الأسماء الحُسنى. وأن الدليل العقلي إنما دلَّ على خلاف ذلك، وأنه أحقُّ بكل صفة كمالٍ من غيره، وأن كل كمالٍ ثبت للمخلوق لا نقص فيه، فلا يستلزم نقصًا؛ فمعطيه وموجده أحقُّ به وأولى:

فكيف يكون المخلوق يتكلم، وخالقه لا يتكلم؟!

وكيف يكون سميعًا بصيرًا، وخالقه لا يسمع ولا يبصر؟!

وكيف يكون حيًّا عليمًا قديرًا حكيمًا، وخالقه ليس كذلك؟!

وكيف يكون ملِكًا آمرًا ناهيًا مرسلًا مثيبًا معاقبًا، وخالقه ليس كذلك؟!

وكيف يكون فاعلًا باختياره ومشيئته، وخالقه ليس كذلك؟!

وكيف يكون قويًّا، وخالقه ليس له قوة؟!

وكيف يكون رحيمًا، وخالقه لم تقم به صفة رحمة ولا رأفة؟

وكيف يكون كريمًا حليمًا جوادًا ماجدًا، وخالقه ليس كذلك؟!

هذا ومن المعلوم بالضرورة أن ما يُرى أكمل ممَّن لا يمكن أن يُرى؛ فإنه إمَّا معدومٌ، وإما عرضٌ، والمرئي أكمل منهما.

وما يتكلم أكمل ممَّن لا يتكلم، فإنه إمَّا جمادٌ وإمَّا عرضٌ وإمَّا معدومٌ، والمتكلم أكمل من ذلك.

وما له سمعٌ وبصرٌ ووجهٌ ويدان أكمل من الفاقد لذلك بالضرورة.

وهكذا سائر الصِّفات، فلا أحسن الله في تلك العقول عن أصحابها إذا أحسن عن الصَّابئين، ولا حيَّاها بما حيَّى به عباده المرسلين، ولا زكَّاها بما زكَّى به أتباعهم من المؤمنين، ونسأله ألَّا يبتلينا بما ابتلاهم به من مفارقة المنقول والمعقول، وتلقي العلم واليقين من غير مشكاة الرَّسول، ولا يجعلنا من أتباع قومٍ ضلُّوا من قبلُ وأضلُّوا كثيرًا وضلُّوا عن سواء السبيل.


الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (2/ 643 - 653)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله