وفي هذه الأحاديث الصَّحيحة الأمرُ بالتَّداوي، وأنَّه لا ينافي التَّوكُّلَ كما لا ينافيه دفعُ داء الجوع والعطش والحرِّ والبرد بأضدادها. بل لا تتمُّ حقيقةُ التَّوحيد إلا بمباشرة الأسباب الَّتي نصَبها الله مقتضِياتٍ لمسبَّباتها قدرًا وشرعًا. وإنَّ تعطيلها يقدح في نفس التَّوكُّل ــ كما يقدح في الأمر والحكمة ــ ويُضْعِفه من حيث يظنُّ معطِّلها أنَّ تركها أقوى من التَّوكُّل، فإنَّ تركها عجزٌ ينافي التَّوكُّل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفعُ ما يضرُّه في دينه ودنياه؛ ولا بدَّ مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلَّا كان معطِّلًا للحكمة والشَّرع؛ فلا يجعل العبد عجزَه توكُّلًا ولا توكُّلَه عجزًا.
زاد المعاد ط عطاءات العلم (4/ 18)

