صلاة العيدين فرض على الأعيان

وأخطأ على الشَّافعي من نسب إليه القول بأنَّ صلاة الجمعة فرضٌ على الكفاية، إذا قام بها قومٌ سقطت عن الباقين؛ فلم يقل الشَّافعي هذا قطُّ، وإنَّما غلط عليه من نسب ذلك إليه بسبب قوله في صلاة العيد: إنَّها تجب على من تجب عليه صلاة الجمعة.
بل هذا نصٌّ من الشَّافعي أنَّ صلاة العيد واجبةٌ على الأعيان.

وهذا هو الصَّحيح في الدَّليل؛ فإنَّ صلاة العيد من أعظم شعائر الإسلام الظَّاهرة، ولم يكن يتخلَّف عنها أحدٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّةً واحدةً.
ولو كانت سُنَّةً لتَرَكها ولو مرَّةً واحدةً، كما تَرَك قيام رمضان؛ بيانًا لعدم وجوبه، وترك الوضوء لكلِّ صلاةٍ؛ بيانًا لعدم وجوبه، وغير ذلك. وأيضًا فإنَّه سبحانه وتعالى أمر بالعيد كما أمر بالجمعة، فقال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر/2].
وأَمَر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّحابة أنْ يغدوا إلى مصلَّاهم لصلاة العيد بعد أنْ فات وقتها، وثَبَت الشَّهر بعد الزَّوال.

وأمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم العواتق وذوات الخدور والحُيَّض أنْ يخرجْن إلى العيد، وتعتزل الحُيَّض المصلَّى، ولم يأمر بذلك في الجمعة.
قال شيخنا: "فهذا يدلُّ على أنَّ العيد آكد من الجمعة".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "خمسُ صلواتٍ كتبهُنَّ الله على العبد في اليوم واللَّيلة" لا ينفي صلاة العيد؛ فإنَّ الصَّلوات الخمس وظيفة اليوم واللَّيلة، وأمَّا العيد فوظيفة العام. ولذلك لم يمنع ذلك من وجوب ركعتي الطَّواف عند كثير من الفقهاء أنَّها ليست من وظائف اليوم والليلة المتكرِّرة. ولم يمنع وجوب صلاة الجنازة. ولم يمنع من وجوب سجود التِّلاوة عند من أوجبه وجعله صلاةً. ولم يمنع من وجوب صلاة الكسوف عند من أوجبها من السَّلف. وهو قولٌ قويٌّ جدًّا.
والمقصود: أنَّ الشَّافعي رحمه الله تعالى نصَّ على أنَّ من وَجَبَت عليه الجمعة وجب عليه العيد. ولكن قد يُقال: إنَّ هذا لا يُستفاد منه وجوبه على الأعيان؛ فإنَّ فرض الكفاية يجب على الجميع، ويسقط بفعل البعض. وفائدة ذلك تظهر في مسألتين:
إحداهما: أنَّه لو اشترك الجميع في فعله أُثِيبوا ثواب من أدَّى الواجب؛ لتعلُّق الوجوب بهم.
الثَّانية: لو اشتركوا في تركه استحقَّ الجميع الذَّم والعقاب.
فلا يلزم من قوله: "تجب صلاة العيد على مَنْ تجب عليه صلاة الجمعة" أنْ تكون واجبةً على الأعيان ـ كالجمعة ـ، فهذا يمكن أنْ يُقال؛ ولكن ظاهر تشبيهه العيد بالجمعة، والتَّسوية بين مَن تجب عليه الجمعة ومن يجب عليه العيد يدلُّ على استوائهما في الوجوب، ولا يختلف قوله إنَّ الجمعة واجبة على الأعيان، فكذا العيد.


الصلاة (ص: 31)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله