هدي النبي صلى الله عليه وسلم الشُّرب قاعداً وآفات الشرب قائماً

وكان من هديه: الشُّرب قاعدًا. هذا كان هديه المعتاد، وصحَّ عنه أنَّه نهى عن الشُّرب قائمًا، وصحَّ عنه أنَّه أمر الذي شرب قائمًا أن يستقيء، وصحَّ عنه أنَّه شرب قائمًا. فقالت طائفة: هذا ناسخٌ للنَّهي. وقالت طائفة: بل مبيِّنٌ أنَّ النَّهي ليس للتَّحريم، بل للإرشاد وترك الأولى. وقالت طائفة: لا تعارض بينهما أصلًا، فإنَّه إنَّما شرب قائمًا للحاجة، فإنَّه جاء إلى زمزم وهم يستقُون منها، فاستسقَى، فناولوه الدَّلوَ، فشرِب وهو قائمٌ، وهذا كان موضع حاجةٍ.

وللشُّرب قائمًا آفاتٌ عديدةٌ، منها: أنَّه لا يحصل به الرِّيُّ التَّامُّ، ولا يستقرُّ في المعدة حتَّى تقسمه الكبد على الأعضاء، وينزل بسرعةٍ وحدَّةٍ إلى المعدة، فيخشى منه أن يبرِّد حرارتها ويشوِّشها؛ ويسرع النُّفوذ إلى أسافل البدن بغير تدريجٍ= وكلُّ هذا يضرُّ بالشَّارب. فأمَّا إذا فعله نادرًا أو لحاجةٍ لم يضرَّه. ولا يعترض بالعوائد على هذا، فإنَّ العوائد طبائع ثوانٍ، ولها أحكامٌ أخرى، وهي بمنزلة الخارج عن القياس عند الفقهاء.


زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم (4/ 329 - 330)

  • المصدر: موقع الإمام ابن القيم رحمه الله