*فوزية بنت فهد المسند
فيما يلي عرض لأهم أهداف المناظرة عند ابن قيم الجوزية رحمه الله:
١- تفنيد شبه النصارى واليهود:
ومن أقواله في ذلك - رحمه الله- قوله: فدعواهم أن نسخ التوراة والإنجيل متفقة شرقًا وغربًا من البهت والكذب الذي يروجونه على أشباه الأنعام، حتى إن هذه التوراة التي بأيدي اليهود فيها من الزيادة والتحريف والنقصان مالا يخفى على الراسخين في العلم، وهم يعلمون قطعًا أن ذلك ليس في التوراة التي أنزلها الله على موسى، ولا في الإنجيل الذي أنزله على المسيح، وكيف يكون في الإنجيل الذي أنزل على المسيح قصة صلبه وما جرى له، وأنه أصابه كذا وكذا وصلب يوم كذا وكذا، وأنه قام من القبر بعد ثلاث، وغير ذلك مما هو من كلام شيوخ النصارى، وغايته أن يكون من كلام الحواريين، خلطوه بالإنجيل، وسموا الجميع إنجيلا ...
وقوله - رحمه الله- : فيا معشر المثلثة وعباد الصليب ! أخبرونا من كان الممسك للسموات والأرض حين كان ربها وخالقها مربوطًا على خشبة الصليب، وقد شدت يداه ورجلاه بالحبال، وسمرت اليد التي أتقنت العوالم، فهل بقيت السماوات والأرض خلوًا من إلهها وفاطرها وقد جرى عليه هذا الأمر العظيم ؟ أم تقولون استخلف على تدبيرها غيره وهبط عن عرشه لربط نفسه على خشبة الصليب ....
وقوله - رحمه الله- ولما علم الكفار من أهل الكتاب أنه لا يمكن الإيمان بالأنبياء المتقدمين إلا بالإيمان بالنبي الذي بشروا به؛ قالوا نحن في انتظاره، ولم يجئ بعد،ولما علم بعض الغلاة في كفره وتكذيبه معهم أن هذا النبي في ولد إسماعيل؛ أنكروا أن يكون لإبراهيم ولد اسمه إسماعيل وأن هذا لم يخلقه الله ولا يكثر على أمة البهت إخوان القرود وقتلة الأنبياء مثل ذلك، كما لم يكثر على المثلثة عباد الصليب الذين سبوا رب العالمين أعظم مسبة، أن يطعنوا في ديننا، وينتقصوا نبينا يمكنهم أن يثبتوا للمسيح فضيلة، ولا نبوة، ولا آية، ولا معجزة إلا بإقرارهم أن محمدًا رسول الله، وإلا فمع تكذيبه لا يمكن أن يثبت للمسيح شيء من ذلك ألبته ...
٢- إثبات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
لقد أفرد ابن قيم الجوزية - رحمه الله - كتابًا أسماه (هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى)، وقال - رحمه الله - في مقدمة الكتاب: وقسمته قسمين: القسم الأول: في أجوبة المسائل، والقسم الثاني: في تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بجميع الدلائل،وقد جاء بحمد الله ومنه وتوفيقه كتابًا ممتعًا معجبًا، لا يسأم قارئه ولا يمل الناظر فيه، فهو كتاب يصلح للدنيا والآخرة، ولزيادة الإيمان، ولذة الإنسان، يعطيك ما شئت من أعلام النبوة وبراهين الرسالة، وبشارات الأنبياء بخاتمهم، واستخراج اسمه الصريح من كتبهم، وذكر نعته وصفته وسيرته من كتبهم ...
٣- مناقشة قضايا فقهية مختلف فيها:
أ- تفنيد شبه المقلدة: ومن أقواله - رحمه الله- : عجبًا لكم معاشر المقلدين الشاهدين على أنفسهم مع شهادة أهل العلم بأنهم ليسوا من أهله ولا معدودين في زمرة أهله، وكيف أبطلتم مذهبكم بنفس دليلكم ؟ فما للمقلدة وما للاستدلال ؟ وأين منصب المقلد من منصب المستدل ؟ وهل ما ذكرتم من الأدلة إلا ثيابًا استعرتموها من صاحب الحجة فتجملتم بها بين الناس ؟ وكنتم في ذلك متشبعين بما لم تعطوه، ناطقين من العلم بما شهدتم على أنفسكم أنكم لم تؤتوه ؟ وذلك ثوب زور لبستموه، ومنصب لستم من أهله غصبتموه، فأخبرونا: هل صرتم إلى التقليد لدليل قادكم إليه، وبرهان دلكم عليه فنزلتم به من الاستدلال أقرب من سلكتم سبيله اتفاقًا وتخمينًا من غير دليل ؟ وليس إلى أحد هذين القسمين سبيل،وأيهما كان فهو بفساد مذهب التقليد حاكم، والرجوع إلى مذهب الحجة منه لازم،ونحن إن خاطبناكم بلسان الحجة؛ قلتم: لسنا من أهل هذا السبيل، وإن خاطبناكم بحكم التقليد؛ فلا معنى لما أقمتموه من الدليل، وقد ناظر - رحمه الله- بعض أكابر المقلدة بقوله: ولقد خاطبت يومًا بعض أكابر هؤلاء، فقلت له: سألتك بالله، لو قدر أن الرسول صلى الله عليه وسلم حي بين أظهرنا، وقد واجهنا بكلامه وبخاطبه؛ أكان فرضًا علينا أن نتبعه من غير أن نعرضه على رأي غيره وكلامه ومذهبه، أم لا نتبعه حتى نعرض ما سمعناه منه على آراء الناس وعقولهم، فقال: بل كان الفرض المبادرة إلى الامتثال من غير التفات إلى سواه، فقلت: فما الذي نسخ هذا الفرض عنا ؟ وبأي شيء نسخ ؟ فوضع إصبعه على فيه وبقي باهتًا متحيرًا، وما نطق بكلمة.
ب- مسألة وقوع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة:
ومن أقواله في ذلك - رحمه الله- فقد تنازعنا نحن وأنتم في المسألة، فلا سبيل إلى ردها إلى غير الله ورسوله البته، وسيأتي أننا أحق بالصحابة، وأسعد بهم فيها، فنقول:أما منعكم لتحريم جمع الثلاث، فلا ريب أنها مسألة نزاع، ولكن الأدلة الدالة على التحريم حجة عليكم .
٤- مناقشة الانحراف العقدي :
أ- مسألة في أصول الانحراف عند المعطلة: في قول متكلمهم:مسألة الدليل اللفظي لا يفيد اليقين إلا عند تيقن أمور عشرة:عصمة رواة تلك الألفاظ، وإعرابها وتصريفها، وعدم الاشتراك، والمجاز، والنقل، والتخصيص بالأشخاص والأزمنة، وعدم الإضمار، والتقديم والتأخير، والنسخ، وعدم المعارض العقلي الذي لو كان لرجح عليه، إذ إن ترجيح النقل على العقل يقتضي القدح في العقل المستلزم للقدح في النقل؛ لافتقاره إليه، فإن كان المنتج ظنيًا فما فظنك بالنتيجة ؟.
ب- الرد على الملحدين والزنادقة في إنكارهم لعذاب القبر:
وقد شرح ابن قيم الجوزية - رحمه الله- عقيدة الزنادقة والملاحدة بقوله: وأما زنادقة الصابئة وملاحدة الفلاسفة فلا يؤمنون بالله ولا ملائكته، ولا كتبه ولا رسله ولا لقائه، ولا يؤمنون بمبدأ ولا معاد، وليس للعالم عندهم رب فعال بالاختيار لما يريد، زل الكتب، قادر على كل شيء، عالم بكل شيء، آمر، ناه، مرسل الرسل، ومثيب المحسن، ومعاقب المسيء، وليس عند نظارهم إلا تسعة أفلاك وعشرة عقول وأربعة أركان، وسلسلة ترتبت فيها الموجودات، هي بسلسلة المجانين أشبه منها بمجوزات العقول،وقد ذكر ابن قيم الجوزية - رحمه الله- أمورًا يعلم بها الجواب لتساؤلات منكري عذاب القبر.
*المناظرة عند ابن القيم (ص: 83 - 86)