ومنها قوله تعالى في تشبيه من أعرض عن كلامه وتدبره: (فَمَا لَهُمۡ عَنِ ٱلتَّذۡكِرَةِ مُعۡرِضِينَ * كَأَنَّهُمۡ حُمُر مُّسۡتَنفِرَة * فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ) [المدثر: 49-51] شبههم في إعراضهم ونفورهم عن القرآن بحمر رأت الأسد والرماة ففرت منه، وهذا من بديع التمثيل؛ فإن القوم من جهلهم بما بعث الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم كالحمر فهي لا تعقل شيئا فإذا سمعت صوت الأسد أو الرامي نفرت منه أشد النفور، وهذا غاية الذم لهؤلاء فإنهم نفروا عن الهدى الذي فيه سعادتهم وحياتهم كنفور الحمر عما يهلكها ويعقرها.
وتحت المستنفرة معنى أبلغ من النافرة؛ فإنها لشدة نفورها قد استنفر بعضها بعضا وحضّه على النفور؛ فإن في الاستفعال من الطلب قدرا زائدا على الفعل المجرد فكأنها تواصت بالنفور وتواطأت عليه، ومن قرأها بفتح الفاء. فالمعنى: أن القسورة استنفرها وحملها على النفور ببأسه وشدته.
الأمثال في القرآن (ص: 26)